يا لها مصيبة شقّ لها المؤمنون قلوبهم لا جيوبهم ، وتجافت لعظمها عن المضاجع جنوبهم ، وأمطرت السماء دماً وتراباً ، وخبرت من أخي العرفان أكفاراً وألباباً ، واضطربت لهولها السبع العلى ، واهتز لها عرش المليك الأعلى.
النبي والوصيّ فيها أهل العزاء ، وسيدة النساء تود لو تكون له النداء ، أنسى كلّ مصيبة مصابها ، وأمر كلّ طعم صابها ، وأدارت كؤوس الأحزان على قلوب المؤمنين ، وجدّدت معاهد الأشجان في نفوس المخلصين ، كسيت السماء بحمرة نجيع شهدائها سقفاً ، وأذكت في قلوب المؤمنين بفادح زنادها حرقاً ، وأنفذت بتراكم أحزانها ماء الشؤون ، وأذابت بتفاقم أشجانها القلوب فاسالتها دماً من العيون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. أيّ مصيبة طمت وعمت وأشجت قلوب المؤمنين وأعمت.
فيا إخواني عزّوا نبيّكم المصطفى في هذا اليوم بسبطه ، اسعدوا وليكم المرتضى في مصابه برهطه ، فإن البكاء في هذا العشر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات ، وإظهار الجزع لما نال ولد الطاهرة البتول من أكمل القربات ولمّا كانت هذه المصيبة لم تقع منذ خلق الله السماوات والأرض كواقعتها ، ولا انهتكت حرمة نبيّ ولا وليّ كانتهاك حرمتها ، ولا غضب الله غضبها على من شبّ ضرامها ، ونصب أعلامها ، وقاد جنودها ، وعقد بنودها ، أردت أن أنفت حزازة (١) صدري ، وأبوح بما في سري ، واخاطب المؤمنين من إخواني بما خطر في جناني ، ونطق به لساني ، فقلت من شدّة اسفي ، وفرط لهفي ، ودمعي
__________________
١ ـ نفتت القدر تنفت نفتا ... إذا كانت ترمي بمثل السهام من الغلي « لسان العرب : ٢/١٠٠ ـ نفت ـ ».
والحزازة : وجع في القلب من غيظ ونحوه. « لسان العرب : ٥/٣٣٥ ـ حزز ـ ».