يملي ولا يمل ، ووجدي يقلي ولا يقل :
يا إخواني ، تفكّروا في هذا الخطب الجسيم ، والرزء العظيم ، أيقتل ابن رسول الله في مفازة من الأرض من غير ذنب ارتكبه ، ولا وزر احتقبه ، ولا فريضة بدلها ، ولا سنّة أبطلها؟ فتجتمع عصابة تزعم أنّها من اُمّه جدّه ، وسالكة منهاجه من بعده ، فتحرم عليه الماء المباح ، وتجعل ورده من دم الجراح ، لا تأخذها به رافة ، ولا تخشى أن ينزل بها من غضب الله آفة ، وهو يستغيث بأوغادها فلم يغيثوه ، ويستعين بهم ولم يعينه ، بل قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، ونقضوا عهدهم كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة ، لم يوقروا شيبته ، ولم يذكروا قربته ، ولا رحموا صبيته ، ولا احترموا نسوته ، ولا راعوا غربته ، ولا استهابوا حرمة جدّه ، ولا تألموا من خلف وعده ، بل ذبحوا أطفاله ، وهتكوا عياله ، وقتلوا ذرّيّته ، واستأصلوا اسرته ، وانتهبوا ثقله ، واستباحوا قتله ، وأضرموا النّار في مضاربه ، وسدّوا عليه أبواب مطالبه ، وأظهروا ما كان كامناً من نفاقهم ، وأبدوا ما أخفوا من سقامهم.
فأي مسلم يعتقد إسلامهم؟ وأي عاقل يؤول مرامهم؟ فلا يشكّ في كفرهم إلا من بلغ في الغيّ غايتهم ، وسلك في البغي جادتهم ، فأحوال الملاحدة منكري الصانع أحسن من أحوالهم ، وأفعال جاحدي الشرائع أضرب من فعالهم واقوالهم ، إذ هم يعتقدون ما حسّن العقل حسناً صريحاً ، وما قبح العقل شنيعاً قبيحاً ، وأهل الملل المنسوخة والشرائع المفسوخة من أهل الكتاب وغيرهم يعمظمون ذراري أنبيائهم ، ويثابرون على محبة أبنائهم ، ويتبرّكون بآثارهم ومزاراتهم ، ويسجدون لصورهم المصورة في بيعهم ودياراتهم ، وهذه الطائفة المارقة ، والعصابة المنافقة ، من بقايا الأحزاب ، وسفهاء الأعراب ، كانوا أهل