ضرّ ومتربة ، وعسر ومسغبة ، يخافون أن يتخطّفوا من دارهم ، وينفوا عن قرارهم ، قد ضربت عليهم الذلّة ، وشملتهم البليّة ، وألجأتهم الأعداء إلى المفاوز المقفرة والبوادي المنقطعة ، وأجلتهم خصماؤهم عن القرى المحتفة بالجنان الملتفة ، والعيشة الرضيّة ، والأقوات الشهية ، كما قال سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : واعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهمالسلام ، فما أشدّ اعتدال الأحوال ، وأقرب اشتباه (١) الأمثال!
تأمّلوا امورهم (٢) في حال تشتتهم وتفرقهم ، ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أرباباً لهم يحتازونهم (٣) عن ريف الآفاق ، وبحر العراق ، وخضرة الدنيا ، إلى منابت الشيع ، ومهافي الريح ، ونكد (٤) المعاش ، فتركوهم عالة مساكين إخوان دَبرٍ ووَبرٍ (٥) ، أذل الاُمم داراً ، وأجدبهم قاراراً لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها (٦) ، ولا إلى ظلّ اُلفةً (٧) يعتمدون على عزها ، فالأحوال مضطربة ، والأيدي مختلفة ، والكثرة متفرقة ، في بلاء أزل (٨) ، وأطباق جهل! من بنات موؤودة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، وغارات مشنونة.
فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولاً ، فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع على دعوته اُلفتهم ، كيف نشرت عليهم النعمة جناح كرامتها ،
__________________
١ ـ أيّ تشابه.
٢ ـ في النهج : أمرهم.
٣ ـ أيّ يقبضونهم عن الأراضي الخصبة.
٤ ـ المهافي : المواضع الّتي تهفو فيها الرياح أيّ تهب. والنكد : الشدة والعسر.
٥ ـ الدبر : القرحة في ظهر الدابّة. والوبر : شعر الجمال. والمراد أنهم رعاة
٦ ـ أيّ لم يكن فيهم داع إلى الحق فيأووا إليه ويعتصموا بمناصرة دعوته.
٧ ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : ولا إلى لغة.
٨ ـ الأزل : الشدة.