ولقد خانه التضعيف والتشكيك بالحديث ، وتصورّ
أنه أحسن صنعاً حينما فسّر الوصية بالمعنى العام ، ناسياً أن وصي النبي العام هو خليفته
، ولا فصل في المقام بين الأمرين ، إذ ليس في تاريخ الأنبياء عليهمالسلام وصي عام ووصي خاص ، ونبينا صلىاللهعليهوآله ليس بدعاً من الرسل. الأمر الذي يتّضح معه
مَن أعظم الفرية حقاً حقاَ.
والفرقة
الثالثة : هم الذين كذبوا بأحاديث الوصية من الأساس
، لأنّهم علموا أنَّ شيئاً من تلك التأويلات لا يجدي نفعاً ، ولأن التصديق بها أو تصحيح
طرقها يزلزل شرعية الخلافة ، ويضع مزيداً من علامات الاستفهام أمام مشروعية جميع الحكومات
التي تلت عصر الرسالة سواء أكانت سقيفيّة أم أُموية أم عباسية ، ومن هنا فقد اجتمع
هؤلاء على الإنكار والكتمان والتضعيف وغيرها من الأساليب.
روي الطبري في حوادث سنة ١٦٩ من تاريخه بالاسناد
عن أبي الخطاب قال : لما حضرت القاسم بن مجاشع التميمي (١) الوفاة ، أوصى إلى المهدي ، فكتب (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إِلاَّ
هُوَ)
إلى آخر الآيتين ١٨ و ١٩ من سورة آل عمران ، ثم كتب : والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك ،
ويشهد أن محمّداً عبده ورسوله صلىاللهعليهوآله
وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله
ووارث الإمامة بعده.
قال : فعرضت الوصية على المهدي ، فلما بلغ
هذا الموضع رمىٰ بها ولم ينظر
__________________
(١) قائد عباسي معروف ، كان من النقباء الذين اختارهم محمّد بن علي
صاحب الثورة في أول الدعوة العباسية ، ونصبه أبو مسلم قاضياً وإماماً للصلاة منذ سنة
١٠٠ ه وشارك في حروب بني العباس سنة ١٢٩ وما بعدها ، وكان علىٰ ميسرة أبي مسلم
في فتوحاته ، وبقي وفياً لهم حتىٰ وفاته سنة ١٦٩. راجع : تاريخ الطبري ـ حوادث
سنة ١٠٠ و ١٢٩ وما بعدها.