وبعد : أكّدت الشريعة على الوصية باعتبارها
حاجة ماسّة من حاجات الإنسان والمجتمع ، وتنطوي على أهمية خاصة ، تتمثّل في سلامة تصرفات
الوصي بعد وفاة الموصي بعيداً عن إثارة المشاكل والنزاعات التي قد تنشأ داخل محيط الأسرة
أو القبيلة أو المجتمع نتيجة التسابق في الاستيلاء على المواريث والحقوق.
وتسهم الوصية في نقل خبرات وتجارب السلف
إلى الخلف ، وتساعد علىٰ ديمومة العلاقات الشخصية والأُسرية والاجتماعية.
ولم تكن الوصية أمراً مستحدثاً من قبل المشرّع
الإسلامي ، إذ مارسها الإنسان علىٰ وفق اُسلوبه الخاص في جميع العصور ، سواء
أكان قريباً من التشريع أو بعيداً عنه ، مؤمناً بالدين أو غير مؤمنٍ به ، وذلك لارتباطها
بالفطرة الإنسانية وسيرة العقلاء التي تنزع إلىٰ وصية الآباء للأبناء ، والماضين
للتالين ، والكبار للصغار ، والراحلين للمقيمين ... .
وقد جرت العادة أن الإنسان إذا شعر بدنو
أجله أو أراد سفراً ، فإنه يعهد لمن يخلفه في تولي شؤون من يخلفهم ، وإذا أراد رئيس
قبيلة أو جماعة السفر فإنه يستخلف من ينوبه حتى يعود.
وفي تاريخ النبوات منذ أبينا آدم عليهالسلام إلىٰ نبينا الخاتم صلىاللهعليهوآله لم نجد أحداً من الأنبياء ( صلوات الله
عليهم ) تخلف عن العهد لم يليه في الخلافة على اُمته ؛ ليكون حجةً لله على العباد ،
ووريثاً للنبوة ، وحافظاً لرسالتها وهكذا فعل النبي صلىاللهعليهوآله
في وصيته لعلي عليهالسلام.
وعلىٰ ضوء المهمة الخطيرة الملقاة
علىٰ عاتق الوصي في قيادة الأمة وديمومة حركة الرسالة ، لابدّ أن يكون نسخةً
ناطقة من النبي في علمه ومنزلته وكلّ ما يحمله