وأما قول عمر : « إن أترك فقد ترك من هو
خير مني » فهو مغالطة سافرة ، لأنه مانع من أن يقع العهد ، لا أن النبي صلىاللهعليهوآله قد ترك فاستنّ عمر بسنته. ويكفي في المقام
أنه اعترف علىٰ نفسه بمنع النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله
من كتابة وصيته ، الأمر الذي يكشف عن عدم صحّة الاحتجاج بكلامه ، لا سيّما وهو في تلك
الحال ، ومن يدري فلعلّه كان يهجر هجراً ؟
وأما قوله : « وقد أنكرت هذه الوصية عائشة
، وكفىٰ بإنكارها » ! فهو من مضحكات ابن خلدون حقّاً ، إذ كان عليه أن يثبت صدق
عائشة أوّلاً ، وعدم وجود ما ينير في تاريخها إلى اختلاف هذه الأكذوبة ثانياً ، مع
مقارنة هذا الإنكار بأدلّة الوصية ومثبتاتها ثالثاً ، ولكن من ينكر أحاديث الإمام المهدي
عليهالسلام حتىٰ صار
سخرية عند محدّثي أهل السنة (١)
لا جرم عليه في تمسّكه بإنكار من ركبت لقتال الوصي وسبط النبي صلىاللهعليهوآله جملاً وبغلاً !
تخبط
وتناقض
لقد أوقع التشكيك والتضعيف كثيراً من الباحثين
المتأخرين بالتهافت والاضطراب ، لأنهم ساروا علىٰ خطى الأولين وسلكوا نهجهم في
الشكّ والرفض لمبدأ الوصية دون أدنىٰ تدبّر وتعمّق ، وبعيداً عن متطلّبات البحث
العلمي النزيه ، ففي الوقت الذي تجد بعضهم يشكّك في نسبة نهج البلاغة لأمير المؤمنين
عليهالسلام لما ذُكِر فيه
من الوصية والوصي (٢)
، تجد الآخر يقول : إننا لا نجد في
__________________
(١) راجع كتاب : المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي للسيّد ثامر العميدي
، وهو الإصدار الأوّل من إصدارات مركز الرسالة ، ستجد فيه سخرية أعلام أهل السنّة من
ابن خلدون في إنكاره أحاديث المهدي عليهالسلام.
(٢) أثر التشيع في الأدب
العربي / محمّد سيد گيلاني : ٦٦ ـ القاهره.