أما تجليات الاصطفاء في اختيار الكعبة المشرفة
مكاناً لولادة الوصيّ عليهالسلام
، فلا ريب أن الله تعالىٰ قد طهره بأن جعل مولده في أعظم بيوت عبادته ، ومعلوم
أن ولادته عليهالسلام في بيت العبادة
بما يكتنفها من ظواهر إعجازية خارجة عن المألوف وعن موارد المصادفة ، كانشقاق جدار
البيت ، وخروج الوليد شاخصاً بوجهه إلى السماء ، مستقبلاً الأرض بكفيه ، ناطقاً باسم
الله ، مديراً ظهره للأصنام ، كل ذلك دليل على أن تلك الولادة في مكانها وكيفيتها وزمانها
، كانت اصطفاءً تتجلّىٰ فيه المشيئة الإلهية ، وأن الوصي كان محل العناية الربانية
منذ يوم ولادته (وَاللهُ
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٢).
ثانياً ـ التربية النبوية
ومن مظاهر الاصطفاء في شخص علي عليهالسلام هو حصوله علىٰ شرف التربية النبوية
منذ نعومة أظفاره حتىٰ رحيل المصطفىٰ صلىاللهعليهوآله
إلىٰ رحمة ربّه حيث كان آخر الناس عهداً به.
تربّىٰ عليّ في حجر النبي صلىاللهعليهوآله بعيداً عن أباطيل الجاهلية ، ودون أن تُلبسه
من مدلهمات ثيابها ، أو تنجسه بأنجاسها ، فقد ولد في الجاهلية مسلماً وأحزر قصب السبق
إلى الإيمان بالإسلام ، مكرماً وجهه عن الشرك وعبادة الأوثان ، وتلقّته يد النبوة لتحنو
عليه منذ الصغر ، فكان النبي صلىاللهعليهوآله
يلي تربيته ويراعيه في نومه ويقظته ويحمله علىٰ صدره وعاتقه ، ويحبوه بألطافه
وتحفه ،
__________________
(١) علي بن أبي طالب
سلطة الحق / عزيز السيد جاسم : ١٥ ـ مؤسسة سينا للنشر ـ مصر ـ ومؤسسة الانتشار العربي
ـ بيروت ـ ١٩٩٧ م.