من مقومات تميّزة عن
سائر أفراد الأُمة ، وتؤهّله لمثل هذا المنصب الخطير ، فاختيار الوصي لابدّ أن يكون
علىٰ ضوء الاصطفاء الإهلي كما هو الحال في النبوة ، وأن يقترن ذلك بالعناية النبوية
والمؤهلات الذاتية كالعصمة والسابقة والفضل وغيرها.
وهكذا كان شأن نبينا المصطفى صلىاللهعليهوآله في تعيينه لوصيه علي بن أبي طالب عليهالسلام منذ تباشير الدعوة الإسلامية في يوم الدار
وحديث الانذار ، عند نزول قوله تعالىٰ : (وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(١)
ثمّ لأجل تأصيل هذا المبدأ العقائدي في وجدان الأُمة وحركتها ، بادر إلى التصريح بالنص
على القائد الرسالي بعده في مناسبات عديدة ، كان آخرها في مرض موته صلىاللهعليهوآله حينما أراد أن يثبت ذلك بكتابٍ لا تضلّ
الأُمة بعده أبداً ، فوقع النزاع وكثر اللغط وأخيراً مُنع الكتاب.
ومنذ ذلك الحين تنكر من تنكر لوصية النبي
صلىاللهعليهوآله ، ولم يدّخر
الحاكمون وسعاً في تجنيد كل القوى لأجل طمس مفهوم الوصية وكتمانه ، حتى توارث ذلك أجيال
من الناس تعرّض فيها ذلك المفهوم للتحريف والتغيير والحذف والإسقاط ، ومع هذا فقد بقي
الكثير الدال على ان الوصية لعلي عليهالسلام
تشمل الخلافة والمرجعية الفكرية والسياسية علىٰ حدٍّ سواء.
وبالنظر لما يترتب علىٰ هذا الموضوع
من آثار عقائدية تتجاوز اُطر الزمان والمكان فقد سلطنا الضوء عليه بحوث عدّة ضمن أربعة
فصول : تناولنا في الفصل الأول معنى الوصية وبيان أركانها وأقسامها وتشريعها في الفكر
الديني إسلاماً كان أو غيره. وخصصنا الثاني للأحاديث والآثار والمدونات النقلية بالوصية
مع التأكيد علىٰ خصيصة الاصطفاء في شخص الولي ، وبيان شبيهه من الأوصياء السابقين
عليهمالسلام. وجاء الفصل
الثالث بما اخترناه من أشعار الصحابة في الوصية ، وبيّنا في الفصل الرابع موقف الأُمّة
من الوصية متمثلة في فصائلها المختلفة ، مع الاشارة إلى الأساليب المتبعة في إنكار
الوصية وكتمانها والشبهات المثارة حولها.