ثم أخبر سبحانه أنه قد كانت النصرة له والهلاك لعدوه فقال :
(فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ، وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) أي فحفظه الله مما أرادوا به من المكر السيئ في الدنيا ، إذ نجاه مع موسى عليه السلام ، وفي الآخرة بإدخاله دار النعيم ، وأحاط بفرعون وقومه سوء العذاب في الدنيا بالغرق في اليمّ ، وفي الآخرة بدخول جهنم وبئس القرار.
وفي هذا إيماء إلى أنهم قصدوه بالسوء ، وقد روى عن ابن عباس أنه لما ظهر إيمانه قصد فرعون قتله فهرب ونجا.
ثم فصّل ما أجمله من سوء العذاب بقوله :
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) أي تعرض أرواحهم من حين موتهم إلى قيام الساعة على النار بالغداة والعشى وينفّس عنهم فيما بين ذلك ، ويدوم هذا إلى يوم القيامة ، وحينئذ يقال لخزنة جهنم : أدخلوا آل فرعون النار.
قال بعض العلماء. وفي هذه الآية دليل على عذاب القبر ، ويؤيده ما روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، ويقال هذا مقعدك حين يبعثك الله تعالى إليه يوم القيامة ، ثم قرأ : «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا».
وروى ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال : «ما أحسن محسن مسلم أو كافر إلا أثابه الله ، قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر ، قال المال والولد والصحة وأشباه ذلك ، قلنا وما إثابته في الآخرة؟ قال : عذابا دون العذاب وقرأ : «أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ».
وقد أثبت علماء الأرواح حديثا ، نعيم الروح وعذابها ، وشبهوا ذلك بما يراه النائم حين نومه ، فقد نرى نائمين في سرير واحد يقوم أحدهما مذعورا كئيبا وجلا مما شاهد