وقد جرت العادة أن الداعي تصادفه عقبتان :
(١) الغرور والفخر والعظمة ، فيقول أنا مسد للنعم إليكم ، ومفيض للخير عليكم.
(٢) الأعداء ، وهؤلاء يؤذونه ويتربصون به الدوائر ، ويتتبعونه فى كل مكان ويتألّبون عليه ليل نهار ، وذلك من أكبر العوامل المثبطة للدّعاة التي تجعلهم يكرّون راجعين ويقولون : ما لنا ولقوم لا يسمعون قولنا ، ولنبتعد عن الناس ، فإنهم لا يعرفون قدر النعم ، ولا يشكرون المنعمين ، ومن ثم قال تعالى :
(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) أي ولا تمنن على أصحابك بما علّمتهم وبلغتهم من الوحى مستكثرا ذلك عليهم. وقد يكون المعنى : لا تضعف ، من قولهم : حبل منين أي ضعيف ، ومنّه السير : أي أضعفه ، فالمراد لا تضعف أن تستكثر من الطاعات التي أمرت بها قبل هذه الآية.
وقد يكون المراد كما قال ابن كيسان : لا تستكثر عملا فتراه من نفسك ، إنما عملك منّه من الله عليك ، إذ جعل لك سبيلا إلى عبادته.
(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) على طاعته وعبادته ، وقال مقاتل ومجاهد : اصبر على الأذى والتكذيب.
والخلاصة ـ لا تجزع من أذى من خالفك.
ولما أتمّ إرشاد رسوله أردفه بوعيد الأشقياء فقال :
(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) أي اصبر على أذاهم ؛ فإن بين أيديهم يوما عسيرا يذوقون فيه عاقبة كفرهم وأذاهم حين ينفخ فى الصور ، ويومئذ تنال الجزاء الحسن والنعيم المقيم.
ثم أكد هذا بقوله :
(عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) أي يومهم عسير لا يسر فيه ولا فيما بعده ، على خلاف ما جرت به العادة من أن كل عسر بعده يسر ، وعسره عليهم أنهم يناقشون