وقصارى ما سلف أنهم أنكروا البعث لوجهين :
(١) شبهة تعترض الخاطر : كقولهم إن أجزاء الجسم إذا تفرقت واختلطت بالتراب ، وسارت فى مشارق الأرض ومغاربها ، كيف يمكن تمييزها وإعادتها على النحو الذي كانت عليه أوّلا ، ولهؤلاء جاء الردّ بقوله : «أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ. بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ».
(٢) حبّ الاسترسال فى اللذات ، والاستكثار من الشهوات ، فلا يود أن يقرّ بحشر ولا بعث حتى لا تتنغص عليه لذاته ، ولمثل هؤلاء قال : «بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ».
وقد ذكر سبحانه من علامات يوم القيامة أمورا ثلاثة فقال :
(١) (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي إذا تحير البصر ودهش فلم يطرف من شدة الهول ومن عظم ما يشاهد ، قال الفرّاء : تقول العرب للإنسان المتحير المبهوت : قد برق ، وأنشد :
فنفسك فانع ولا تنعنى |
|
ودار الكلوم ولا تبرق |
أي لا تفزع من كثرة الكلوم والجروح التي أصابتك.
ونحو الآية قوله : «لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ».
(٢) (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي ذهب ضوءه ، كما نعقله من حاله فى الدنيا ، إلا أن الخسوف فى الدنيا إلى انجلاء ، وفى الآخرة لا يعود ضوءه.
(٣) (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) أي أدرك كل واحد منهما صاحبه وطلعا من المغرب أسودين مكوّرين مظلمين على ما روى عن ابن مسعود ، وقد كان هذا مستحيلا فى الدنيا كما جاء فى قوله سبحانه : «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ».