وقد روى فى تفسير الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أيكم أحسن عقلا ، وأورع عن محارم الله ، وأسرع فى طاعته عز وجل» يعنى أيكم أتم فهما لما يصدر عن حضرة القدس ، وأكمل ضبطا لما يؤخذ من خطابه ، وأيكم أبعد عن ملابسة الكبائر ، وأسرع فى إجابة داعى الله.
وفيه ترغيب فى الطاعات وزجر عن المعاصي كما لا يخفى على ذوى الألباب.
(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) أي وهو القوى الشديد الانتقام ممن عصاه وخالف أمره ، الغفور لذنوب من أناب إليه وأقلع عنها.
وقد قرن سبحانه الترهيب بالترغيب فى مواضع كثيرة من كتابه كقوله تعالى : «نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ».
وإثبات العزة والغفران له يتضمن كونه قادرا على كل المقدورات ، عالما بكل المعلومات ، ليجازى المحسن والمسيء بالثواب والعقاب ، ويعلم المطيع من العاصي ، فلا يقع خطأ فى إيصال الحق إلى من يستحقه ، ثوابا كان أو عقابا.
ثم ذكر دلائل قدرته فقال :
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) أي هو الذي أوجد سبع سموات بعضها فوق بعض فى جوّ الهواء بلا عماد ، ولا رابط يربطها مع اختصاص كل منها بحيز معين ونظم ثابتة لا تتغير ؛ بل بنظام الجاذبية البديع بين أجرام الأرضين والسموات ، كما جاء فى قوله : «اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى».
ثم ذكر دلائل العلم فقال :
(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي لا ترى أيها الرائي تفاوتا وعدم تناسب ، فلا يتجاوز شىء منه الحد الذي يجب له زيادة أو نقصا على نحو ما قيل :