الإيضاح
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) أي إنا أنزلنا عليك القرآن مفرقا منجما فى مدى ثلاث وعشرين سنة ؛ ليكون أسهل لحفظه وتفهّمه ودراسته ، ولتكون الأحكام آتية وفق الحوادث التي تجدّ فى الكون ، فتكون تثبيتا لايمان المؤمنين ، وزيادة فى تقوى المتقين.
وقد يكون المعنى : نزلنا عليك ولم تأت به من عندك كما يدعيه المشركون ، ويراد من ذلك تثبيت قلب رسوله صلى الله عليه وسلم وشرح صدره ، وأن الذي أنزل عليه وحي لا كهانة ولا سحر ، وبذا تزول الوحشة من قول الكفار : إنه كهانة أو سحر.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي فاصبر لما ابتلاك به ربك وامتحنك به من تأخير نصرك على المشركين ، ومقاساة الشدائد فى تبليغ رسالته ووحيه الذي أنزله عليك ، فإن لذلك عاقبة حميدة ، وغاية يثلج لها فؤادك.
(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) أي ولا تطع كلا من مرتكب الإثم والمتجاوز الحد فى الكفر ، فإذا قال لك الآثم كعتبة بن ربيعة : اترك الصلاة وأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بلا مهر ، أو قال لك الكفور الوليد بن المغيرة : أنا أعطيك من المال حتى ترضى إذا رجعت عن هذا الأمر ، فلا تطع واحدا منهما ولا من غيرهما ، فقد أعددنا لك النصر فى الدنيا ، والجنة فى الآخرة.
وقصارى ذلك ـ لا تتبع أحدا من الآثمين إذا دعاك إلى الإثم ، ولا من الكافرين إذا دعاك إلى الكفر ، وهذا ما يفهم من قولك : لا تطع الظالم ـ من أن المعنى ـ لا تتبعه فى الظلم إذا دعاك إليه.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن طاعة الآثم والكفور وهو لا يطيع واحدا منهما ، إشارة إلى أن الناس محتاجون إلى مواصلة الإرشاد ، لما ركب فى طباعهم من الشهوة الداعية إلى اجتراح السيئات ، وأن أحدا لو استغنى عن توفيق الله وإرشاده لكان