ملكه فى مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وقيل هو استئذان الملائكة عليهم ، فلا يدخلون إلا بإذنهم ، وقيل هو الملك الدائم الذي لا زوال له.
ولم يجىء فى الأخبار الصحيحة ما يفسر هذا الملك الكبير ، فأولى بنا أن نؤمن به ونترك تفصيله إلى علام الغيوب.
وبعد أن وصف شرابهم وآنيته وما هم فيه من النعيم ، وصف ملابسهم فقال :
(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) أي إن لباس أهل الجنة فى الجنة الحرير ، ومنه سندس ، وهو رفيع الديباج للقمصان والغلائل ونحوها مما يلى أبدانهم ، وإستبرق : وهو غليظ الديباج لا معه مما يلى الظاهر كما هو المعهود فى لباس الدنيا.
وبعدئذ ذكر حليّهم فقال :
(وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) أي وقد حلوا أساور من فضة ، وجاء هنا «مِنْ فِضَّةٍ» وفى سورة فاطر «يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ» لأنهم قد يجمعون بينهما ، أو يلبسون الذهب تارة والفضة أخرى.
وقال سعيد بن المسيّب : لا أحد من أهل الجنة إلا وفى يده ثلاثة أسورة ؛ واحدة من ذهب ، وأخرى من فضة ، وثالثة من لؤلؤ.
والتحلّي مما يختلف باختلاف العادات والطبائع ، ونشأة الآخرة غير هذه النشأة ، ومن المشاهد فى الدنيا أن بعض الملوك يتحلّون بأعضادهم وعلى تيجانهم وعلى صدورهم ببعض أنواع الحلي ، ولا يرون فى ذلك بأسا لمكان الإلف والعادة ؛ فلا يبعد أن يكون من طباع أهل الجنة فى الجنة حبّ التحلي دائما.
ثم ذكر أنهم يسقون شرابا آخر يفوق النوعين السابقين ، وهما ما يمزج بالكافور وما يمزج بالزنجبيل فقال :
(وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) أي وسقاهم ربهم غير ما سلف شرابا يطهّر شاربه من الميل إلى اللذات الحسية ، والركون إلى ما سوى الحق ، فيتجرد لمطالعة جماله ، والتلذذ بلقائه ، وهذا منتهى درجات الصديقين.