وقوله : «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا» ، وقوله : «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً».
ثم تهدّدهم وتوعّدهم ، وهو العظيم الذي لا يقوم لغضبه شىء فقال :
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) أي ودعنى والمكذبين المترفين أصحاب الأموال ، فإنى أكفيك أمرهم وأجازيهم بما هم له أهل ، وتمهل عليهم قليلا حتى يبلغ الكتاب أجله ، وسيذوقون العذاب الذي أعددته لهم.
ونحو الآية قوله : «نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ» والخلاصة ـ خلّ بينى وبينهم ، فسأجازيهم بما يستحقون.
روى أنها نزلت فى صناديد قريش ورؤساء مكة من المستهزئين ؛ وقالت عائشة رضى الله عنها : لما نزلت هذه الآية لم يكن إلا يسير حتى كانت وقعة بدر.
ثم ذكر من ألوان العذاب التي أعدها لهم أمورا أربعة :
(١) (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) أي إن لدينا لهؤلاء المكذبين بآياتنا قيودا ثقيلة توضع فى أرجلهم كما يفعل بالمجرمين فى الدنيا إذلالا لهم قال الشعبي : أترون أن الله جعل الأنكال فى أرجل أهل النار خشية أن يهربوا؟ لا والله ، ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استفلت بهم.
(٢) (وَجَحِيماً) أي نارا مستعرة تشوى الوجوه.
(٣) (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) أي طعاما لا يستساغ ، فلا هو نازل فى الحلق ، ولا هو خارج منه ، كالزقوم والضريع كما قال تعالى : «لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ، لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» وقال : «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ».
(٤) (وَعَذاباً أَلِيماً) أي وألوانا أخرى من العذاب المؤلم الموجع الذي لا يعلم كنهه إلا علام الغيوب.