ثم كرر هذا الدعاء للتأكيد والمبالغة فقال :
(ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) أي لعن وعذّب على أي حال قدر ما قدر من الكلام كما يقال فى الكلام : لأضربنه كيف صنع : أي على أي حال كانت منه.
(ثُمَّ نَظَرَ) أي ثم نظر فى أمر القرآن مرة بعد أخرى ، لعله يجول بخاطره ما يحبون ، ويصل إلى ما يرجون.
(ثُمَّ عَبَسَ) أي ثم قطّب وجهه حين ضاقت به الحيل ولم يدر ما يقول.
ثم أكد ما قبله فقال :
(وَبَسَرَ) أي كلح واسودّ وجهه ، قال سعد بن عبادة : لما أسلمت راغمتنى أمي ، فكانت تلقانى مرة بالبشر ، ومرة بالبسر.
وفى هذا إيماء إلى أنه كان مصدّقا بقلبه صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان ينكره عنادا ، فإنه لو كان يعتقد صدق ما يقول لفرح باستنباط ما استنبط ، وإدراك ما أدرك ، وما ظهرت العبوسة على وجهه.
(ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) أي ثم صرف وجهه عن الحق ورجع القهقرى مستكبرا عن الانقياد له والإقرار به.
ثم ذكر ما استنبطه من التّرّهات والأباطيل.
(فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أي فقال ما هذا القرآن إلا سحر ينقله محمد عن غيره ممن كان قبله من السحرة كمسيلمة وأهل بابل ويحكيه عنهم.
ثم أكد ما سلف بقوله :
(إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) أي إنه ملتقط من كلام غيره ، وليس من كلام الله كما يدّعى ، ولو صح ما قال لأمكن غيره أن يقول مثله أو يعارضه بأحسن منه ، ففى العرب ذوو فصاحة وذرائة لسان ، وفيهم الخطباء والمقاويل الذين لا يجارون ولا يبارون ، ولم يعلم أن أحدا من أهل الزكانة والمعرفة سوّلت له نفسه أن يعارضه ، بل التجئوا إلى السيف والسّنان ، دون المعارضة بالحجة والبرهان ، وقد رووا فى هذا