ثم توعّدهم وهدّدهم فقال :
(وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) أي وإذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم.
ونحو الآية قوله : «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً» وقوله : «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ» وقوله : «عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ».
وقد جرت سنة الله بأن يزيل ما لا يصلح للرقى من خلقه ، فهو يهلك هؤلاء ويبدل أمثالهم فيجعلهم مكانهم ، كما هى قاعدة بقاء الصلاح والأصلح ، وإهلاك ما لا يصلح للبقاء.
وبعد أن ذكر أحوال السعداء والأشقياء أرشد إلى أن فى هذا الذكر تذكرة وموعظة للخلق ، وفوائد جمة لمن ألقى سمعه ، وأحضر قلبه ، وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه ، فقال :
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي إن هذه السورة بما فيها من ترتيب بديع ، ونسق عجيب ، ووعد ووعيد ، وترغيب وترهيب ، تذكرة للمتأملين ، وتبصرة للمستبصرين ، فمن شاء الخير لنفسه فى الدنيا والآخرة ، فليتقرب إلى ربه بالطاعة ، ويتبع ما أمره به ، وينته عما نهاه عنه ، ليحظى بثوابه ، ويبتعد عن عقابه.
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي وما تشاءون اتخاذ السبيل الموصلة إلى النجاة ولا تقدرون على تحصيلها إلا إذا وفقكم الله لاكتسابها ، وأعدّكم لنيلها ، إذ لا دخل لمشيئة العبد إلا فى الكسب ، وإنما التأثير والخلق لمشيئة الله عز وجل ، فمشيئة العبد وحدها لا نأتى بخير ، ولا تدفع شرا ، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة ، ويؤجر على قصد الحير كما فى حديث : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».