وهذه من عالم أشرف من عالم المادة التي هى فى أسفل درجات النقص ، والكمال إنما نزل إليه من عالم أرقى منها وهو العالم الروحي الإلهى.
فهو إما أن يرجع إلى حب المادة والاستكانة لهذه المشاهدات ، وإما أن يتفكر ويجدّ بالعلم والعمل ، ليصل إلى عالم الكمال والجمال ، وهذا ما عناه سبحانه بقوله : «نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً».
والخلاصة ـ نحن نعامله معاملة المختبر له ، أيميل إلى أصله الأرضى ، فيكون حيوانا نباتيا معدنيا شهوانيا ، أم يكون إلهيّا معتبرا بالسمع والبصر والفكر ، وهى من عوالم أرقى من عالم المادة التي تكوّن منها.
ثم ذكر أنه بعد أن ركّبه وأعطاه الحواس الظاهرة والباطنة بين له سبيل الهدى وسبيل الضلال فقال :
(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) أي فأعطيناه السمع والبصر والفؤاد ، ونصبنا له الدلائل فى الأنفس والآفاق ، لتكون مسرحا لفكره ، ومغنما لعقله.
ثم بين أن الناس انقسموا فى ذلك فريقين فقال :
(إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) أي فبعض اهتدى وعرف حق النعمة فشكر ، وبعض أعرض فكفر.
وإجمال ذلك ـ إنا هديناه السبيل ليتميز شكره من كفره ، وطاعته من معصيته.
ونحو الآية قوله : «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» وقوله : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ».
وروى مسلم عن أبى مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها».