ثم ذكر السبب فى تيئيسهم منها فقال :
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أي إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون ، وهو تكميل النفس بالإيمان والطاعة ؛ فمن لم يكملها بذلك فهو بمعزل عن أن يتبوأ متبوأ الذين أخلصوا لله وحده ، وبعدت نفوسهم عن دنس الشرك والمعاصي.
ثم توعدهم بأنهم إن لم يثوبوا إلى رشدهم أهلكهم واستبدل بهم قوما غيرهم خيرا منهم فقال :
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي أقسم برب الكواكب ومشارقها ومغاربها ، إنا لقادرون على أن نخلق أمثل منهم يستمعون دعوة الداعي ونصح الناصح ، ونهلك هؤلاء ، ولن يعجزنا ذلك ، لكن مشيئتنا اقتضت تأخير عقوبتهم.
والخلاصة ـ إن هؤلاء المشركين فى تناقض واضطراب فى الرأى ، فكيف ينكرون البعث ثم يطمعون فى دخول الجنة ، وكيف ينكرون الخالق وقد خلقهم أوّلا مما يعلمون ، وهو قادر على خلق مثلهم ثانيا.
وفى هذا تهكم بهم وتنبيه إلى تناقضهم فى كلامهم ، فإن الاستهزاء بالساعة ودخول الجنة مما لا يقبله إلا من عنده دخل فى العقل ، ومجانفة لصواب الرأى.
ثم سلّى رسوله عما يقولون ويفعلون فقال :
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي دعهم فى تكذيبهم وعنادهم إلى يوم البعث ، وحينئذ يعلمون عاقبة وبالهم ، ويذوقون شديد نكالهم ، حين يعرضون للحساب والجزاء ، يوم تجزى كل نفس بما عملت ، لا شفيع ولا نصير ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ثم فصل أحوالهم فى هذا اليوم فقال :
(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي يوم يخرجون من قبورهم إذا دعاهم الداعي لموقف الحساب ـ سراعا