(وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) أي وهذه الكواكب لا تقف عند حد الزينة بل بضوئها يكون ما فى الأرض : من رزق وحياة وموت ، بحسب الناموس الذي سنناه ، والقدر الذي أمضيناه ، ويكون فى العالم الإنسانى وعالم الجن نفوس تتقاذفها الأهواء ، وتتجاذبها اللذات والشهوات التي تنجم من العناصر المتفاعلة بسبب الأضواء المشعّة النازلة من عالم الكواكب المشرقة فى السماء.
وقصارى القول ـ إن هذه الكواكب كما هى زينة الدنيا ، وأسباب لرزق ذوى الصلاح من الأنبياء والعلماء والحكماء ، هى أيضا سبب لتكوّن الأرزاق المهيجة لشهوات شياطين الإنس والجن ؛ فهذا العالم قد اختلط فيه الضر بالنفع ، وأعطى لكلّ ما استعدّ له ؛ فالنفوس الفاضلة ، والنفوس الشريرة ، استمدت من هذه المادة المسخّرة المقهورة ، فصارت سببا لثواب النفوس الطيبة ، وعذاب النفوس الخبيثة ، وصار لهم فيها رجوم وظنون ، إذ هم قد استمدوا شيطنتهم من مظاهر الطبيعة الناشئة من الحرارة والضوء.
ويرى بعض المفسرين أن المراد أن المصابيح التي زيّن الله بها السماء الدنيا لا تزول عن مكانها ولا يرجم بها ، بل ينفصل من الكواكب شهاب يقتل الجنىّ أو يخبله.
قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوم للشياطين ، وعلامات يهتدى بها فى البر والبحر ، فمن تكلم فيها بغير ذلك فقد تكلم فيما لا يعلم ، وتعدى وظلم.
(وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) أي وهيأنا لهؤلاء الشياطين فى الآخرة عذاب النار الموقدة كفاء ما اكتسبوا من اللذات ، وانجذبوا إليه من الشهوات ، وغفلوا عن جمال هذه العوالم التي لم يعرفوا منها إلا شهواتهم ، أما عقولهم فقد احتجبت عنها.
والخلاصة ـ إن السماء قد أضاءت على البر والفاجر ، فالفجار حصروا أنفسهم فى شهواتهم ، فلم ينظروا إليها نظر فكر وعقل ، بل نظروا إليها باعتبار أن بها تقوم