تناسبت الأعضاء فيه فلا ترى |
|
بهنّ اختلافا بل أتين على قدر |
فإن كنت فى ريب من هذا فارجع البصر حتى تتضح لك الحال ، ولا يبقى لك شبهة فى تحقق ذلك التناسب والسلامة من الاختلاف والشقوق بينها.
وإنما قال : (فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) دون أن يقول : (فيها) تعظيما لخلقهنّ ، وتنبيها إلى سبب سلامتهنّ من التفاوت بأنهنّ من خلق الرحمن ، وأنه خلقهنّ بباهر قدرته وواسع رحمته تفضلا منه وإحسانا ، وأن هذه الرحمة عامة فى هذه العوالم جميعا.
ثم أمره بتكرير البصر فى خلق الرحمن على سبيل التصفح والتتبع ، هل يجد فيه عيبا وخللا فقال :
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) أي إنك إذا كررت النظر لم يرجع إليك البصر بما طلبته من وجود الخلل والعيب ، بل يرجع إليك صاغرا ذليلا لم ير ما يهوى منهما ، حتى كأنه طرد وهو كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة.
والمراد بقوله «كرتين» التكثير كقوله :
لو عدّ قبر وقبر كان أكرمهم |
|
بيتا وأبعدهم من منزل الذّام |
وبعد أن بين خلوّ السموات من العيب ذكر أنها الغاية فى الحسن والبهاء فقال :
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) أي ولقد زينا السماء القربى من الأرض وهى التي يراها الناس بكواكب مضيئة بالليل كما يزيّن الناس منازلهم ومساجدهم بالسّرج ، ولكن أنّى لسرج الدنيا أن تكون كسرج الله؟
والخلاصة ـ أن نظام السموات لا خلل فيه ، بل هو أعظم من ذلك ، فقد زينت سماؤه القريبة منا بمصابيح ، هى بهجة للناظرين ، وعبرة للمعتبرين.