(يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ؟) أي يقول الإنسان حينئذ لدهشته وحيرته : أين المفرّ من جهنم؟ وهل من ملجأ منها؟ فأجيبوا حينئذ :
(كَلَّا لا وَزَرَ) أي كلا لا شىء يعتصم به من أمر الله ، فلا حصن ولا جبل ولا سلاح يقيكم شيئا من أمره ، قال السّدى : كانوا إذا فزعوا فى الدنيا تحصنوا بالجبال ، فقال الله لهم : لا وزر يعصمكم منى.
ونحو الآية قوله : «ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ».
ثم كشف عن حقيقة الحال وبيّنها بقوله :
(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) أي إلى ربك مرجعك فى جنة أو نار ، وأمر ذلك مفوّض إلى مشيئته ، فمن شاء أدخله الجنة ، ومن شاء أدخله النار.
ونحو الآية قوله : «وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى».
ثم ذكر أن مآله رهن بما عمل فقال :
(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) أي يخبر الإنسان حين العرض والحساب ووزن الأعمال ـ بجميع أعماله قديمها وحديثها ، أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها كما قال : «وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً».
قال القشيري : وهذا الإنباء يكون يوم القيامة عند وزن الأعمال ؛ وعن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبع يجرى أجرها للعبد بعد موته وهو فى قبره ، من علّم علما ، أو أجرى نهرا ، أو حفر بئرا ، أو غرس ظلا ، أو بنى مسجدا ، أو ورّق مصحفا ، أو ترك وليّا يستغفر له بعد موته».
ثم بيّن أن أعظم شاهد على المرء نفسه ، فهى نعم الشاهد عليه فقال :
(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) بل الإنسان حجة بيّنة على نفسه ، فلا يحتاج إلى أن ينبئه غيره ، لأن نفسه شاهدة على ما فعل ، فسمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه شاهدة عليه ، وسيحاسب عليه مهما أنى بالمعاذير وجادل