ثم ذكر الحكمة فى إلحاقهم بهم فقال :
(كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي إن سنتنا فى جميع المجرمين واحدة ، فكما أهلكنا المتقدمين لإجرامهم وتكذيبهم ـ نفعل بالمتأخرين الذين حذوا حذوهم ، واستنوا سنتهم ، فسنننا تجرى على وتيرة واحدة.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي هؤلاء وإن عذبوا فى الدنيا بأنواع من العذاب ، فالطامة الكبرى معدّة لهم يوم القيامة ، والتكرير للتوكيد شائع فى كلام العرب كما تقدم فى سورة الرحمن.
وقال القرطبي : كرر الويل فى هذه السورة عند كل آية لمن كذب بشىء لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم ، فجعل لكل مكذب بشىء عذابا سوى عذابه بتكذيب شىء آخر اه.
ثم ذكّرهم بجزيل نعمه عليهم فى خلقهم وإيجادهم مما يستدعى جزيل شكرانهم فقال :
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ؟) أي ألا تعترفون بأنكم خلقتم من نطفة مذرة منتنة وضعت فى الأرحام إلى حين الولادة ، ونحن قد قدرنا ذلك فنعم المقدرون ، إذ خلقناكم فى أحسن الصور والهيئات ـ أفلا يستحق ذلك الخالق منكم الشكران لا الكفران والاعتراف بوحدانيته وإرساله للرسل والإقرار بالبعث؟ لكنكم كفرتم أنعمه ، ونكلتم عن الاعتراف بوحدانيته ، وعبدتم الأصنام والأوثان ، وأنكرتم يوم الفصل والجزاء ، فسترون فى هذا اليوم عاقبة ما اجترحتم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي خزى وعذاب لمن كذب بهذه المنن العوالي.
وبعد أن ذكّرهم بالنعم التي أنعم بها عليهم فى الأنفس ـ ذكرهم بما أنعم عليهم فى الآفاق ، وأرشد إلى أمور ثلاثة :