ولكن وا خيبة أملاه ، ووا ضياع مسعاهم ، ويا هول ما رأوه مما لا تصدقه العين ولا يخطر لهم ببال ، بستان كان بالأمس عامرا زاخرا بالخير والبركة أصبح قاعا صفصفا قد تغيرت معالمه ، ودرست رسومه ، حتى تشككوا فيه حين رأوه كما قال سبحانه :
(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) أي فلما صاروا إلى بستانهم ورأوه محترقا أنكروه وشكّوا فيه وقالوا : أبستاننا هذا أم نحن ضالون طريقه؟
ولكن بعد أن تبينت لهم معالمه واستيقنوها عادوا على أنفسهم بالملامة وقالوا :
(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي لسنا بضالين ، بل نحن قد حرمنا خيره بجنايتنا على أنفسنا ، بشؤم عزمنا على البخل ومنع مساعدة البائسين والمعوزين ، وندموا على ما فرط منهم حيث لا ينفع الندم ، كما يرشد إلى ذلك قوله سبحانه حاكيا عنهم.
(قالَ أَوْسَطُهُمْ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) أي قال أرجحهم رأيا ، وأحسنهم تدبيرا : ألم أقل لكم : هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أولاكم من النعم ، فتؤدوا حق البائس الفقير ، ليبارك لكم فيما أنعم وتفضل ، لكنكم أعرضتم عما أدليت لكم به من الرأى وضربتم به عرض الحائط.
وبعد اللّتيا والتي ، وبعد ضياع الفرصة تبين لهم خطأ ما كانوا عزموا عليه ، واعترفوا بذنوبهم كما حكى عنهم سبحانه بقوله :
(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) أي تنزيها لربنا أن يكون ظالما فيما صنع بجنتنا.
ثم أكدوا ندمهم واعترافهم بالذنب تحقيقا لتوبتهم وهضما لأنفسهم فقالوا :
(إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لأنفسنا بحرماننا البائس الفقير ، ولكن هيهات فقد ضاعت الفرصة ، وحل مكانها الغصّة ، وهكذا شأن الإنسان.
وبعد أن حدث ما حدث ألقى كل منهم تبعة ما وقع على غيره وتشاحنوا ، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله :