قال الفراء وثعلب : المراد أنه كان جسدا مصوّرا ترابا وطينا لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به ، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكورا.
وفى الآية ما يشير إلى ما قاله علماء طبقات الأرض (الجيلوجيا) من أن الإنسان لم بوجد على الأرض إلا بعد خلقها بأحقاب طوال ، فقد كانت الأرض أوّلا ملتهبة بعد أن انفصلت من الشمس ، ثم أخذت قشرتها تبرد بالتدريج ، وأمكن أن ينبت فيها النبات ، ثم بعض الطيور ، ثم بعض الحيوان الداجن ، ثم الإنسان ؛ وقد بينا ذلك عند تفسير قوله تعالى «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» وذكرنا هناك أن الأيام هى الأطوار التي مر عليها خلق السموات والأرض إلى آخر ما قلنا هناك.
ثم أتبع ذلك بذكر العناصر الداخلة فى تكوين الإنسان فقال :
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) أي إنا خلقنا الإنسان من نطفة اختلط فيها ماء الرجل بماء المرأة ، مريدين ابتلاءه واختباره بالتكليف فيما بعد إذا شبّ وبلغ الحلم. قال الحسن : نختبر شكره فى السراء ، وصبره فى الضراء.
وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : الأمشاج الحمرة فى البياض والبياض فى الحمرة. وهذا قول يختاره كثير من أهل اللغة ، قال الهذلي يصف سهما :
كأن الريش والفوقين منه |
|
خلاف النّصل سيط به مشيج |
وقال قتادة : هى أطوار الخلق ، طورا نطفة ، وطورا علقة ، وطورا مضغة ، وطورا عظاما ، ثم تكسى العظام لحما كما قال فى سورة المؤمنين : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ» الآية.
ثم ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء والامتحان ، وهو السمع والبصر فقال :
(فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) أي جعلناه كذلك ليتمكن من استماع الآيات ومشاهدة الدلائل والتعقل والتفكر.