شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار ، فلا يستطيع أن يعمل بها شيئا مما يعمله بأصابعه المفرّقة ذات المفاصل والأنامل ، من فنون الأعمال التي تحتاج إلى القبض والبسط ، والتأنى فى عمل ما يراد من الشئون كالغزل والنسج والضرب على الأوتار والعيدان ، إلى نحو أولئك.
والخلاصة ـ إنا لقادرون على جمع العظام وتأليفها وإعادتها إلى مثل التركيب الأول بعد تفرقها وصيرورتها عظاما ورفاتا فى بطون البحار ، وفسيح القفار ، وحيثما كانت ، وعلى أن نسوّى أطراف يديه ورجليه ونجعلهما شيئا واحدا فيكون كالجمل والحمار ونحوهما ، فيأكل كما تأكل ، ويشرب كما تشرب ، وفى ذلك خسران كبير له ، وتشويه لخلقه ، وإفساد لوظيفته التي أعدّ لها فى الحياة.
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) أي لا يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه ، لكنه يريد أن يمضى قدما فى المعاصي لا يثنيه عنها شىء ، ولا يتوب منها ، بل يسوّف بالتوبة فيقول : أعمل ثم أتوب بعد ذلك.
والخلاصة ـ إنه انتقل من إنكار الحسبان ، إلى الإخبار عن حال الإنسان الحاسب ، ليكون ذلك أشد فى لومه وتوبيخه كأنه قيل : دع تعنيفه على ذلك ، فإنه قد بلغ من أمره أنه يريد أن يداوم على فجوره فيما يستأنف من الزمان ولا يتخلى عنه.
ثم علل إرادته دوام الفجور بقوله :
(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ؟) أي يسأل سؤال متعنت مستبعد ، متى يكون هذا اليوم؟ ومن أنكر البعث أشد الإنكار ، ارتكب أعظم الآثام ، وخبّ فيها ووضع غير عابىّ بعاقبة ما يصنع ، ولا مقدّر نتائج ما يكتسب.
ونحو الآية قوله : «وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟» ، وقوله : «هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ. إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ».