منع ربكم عنكم أسباب رزقه من الأمطار وغيرها ، أو وقف الهواء فلم تجر الرياح ، أو جعل ماء البحر غورا؟
والخلاصة ـ إنه لا جند لكم ينصركم إن هو عذبكم ، ولا رازق يرزقكم إن هو حرمكم أرزاقكم.
وبعد أن حصحص الحق قال مبينا عتوهم وطغيانهم :
(بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) أي إنهم يعلمون ذلك حق العلم ويعبدون غيره ، فما هذا منهم إلا عناد واستكبار ونفور عن قبول الحق ، وما جرأهم على هذا إلا الشيطان الذي غرهم بوسوسته ، فظنوا أن آلهتهم تنفعهم وتدفع الضر عنهم وتقرّبهم إلى ربهم زلفى.
ثم ضرب مثلا يبين به الفارق بين حالى المشرك والموحد ، جعل فيه المعقول بصورة المحسوس ، ليكون أبين للحجة ، وأوضح لطريق المحجة فقال :
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟) أي أفمن يمشى وهو يتعثر فى كل ساعة ، ويخر على وجهه فى كل خطوة ، لتوعر طريقه ، واختلاف أجزائها انخفاضا وارتفاعا ـ أهدى سبيلا وأرشد إلى المقصد الذي فؤمه ، أم من يمشى سالما من التخبط والعثار على الطريق السوىّ الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف؟ ـ فهذا المكب على وجهه هو المشرك الذي يمشى على وجهه فى النار يوم القيامة ، والذي يمشى سويا هو الموحد الذي يحشر على قدميه إلى الجنة.
وبعد أن امتنّ على عباده بما آتاهم من زينة السماء ، وتذليل الأرض ، وإمساك الطير فى الهواء ـ أخذ يذكر ما هو أقرب إلينا وهو خلق أنفسنا فقال آمرا رسوله أن يبين لهم ذلك :
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي قل لهم : إن ربكم هو الذي برأكم وجعل لكم السمع لتسمعوا به المواعظ ، والأبصار لتنظروا