ولما اعتلى عرش مصر «محمد على» رأس الأسرة المالكة فى مصر فى أوائل القرن الثامن عشر ، وساس البلاد بحكمته ، وسعى جهد طاقته فى تنظيم مرافقها من زراعة وصناعة ومعارف وعلوم ، تكاثر النسل وما زال يزيد ، ونهج أبناؤه وحفدته نهجه حتى بلغ عدده فى عصرنا الحاضر نحو عشرين مليونا.
(٤) (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) أي ويوجد لكم بساتين عامرة تأخذون من ثمارها ما به تنتفعون ، ولن يطمع الناس فى الفاكهة إلا إذا وجدت لديهم الأقوات ، وكثرت الغلات.
(٥) (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) جارية بها يكثر الخصب والزرع بمختلف ألوانه وأشكاله.
لا جرم أن الأمة الكثيرة البساتين والمزارع ، يعمها الرخاء ، وتسعد فى حياتها الدنيوية.
وعن الحسن أن رجلا شكا إليه الجدب فقال له : استغفر الله ، وشكا إليه آخر الفقر وقلّة النسل فقال له : استغفر الله ، وشكا إليه ثالث جفاف بساتينه. فقال له : استغفر الله ، فقال له بعض القوم : أتاك رجال يشكون إليك أنواعا من الحاجة ، فأمرتهم كلهم بالاستغفار ، فقال : ما قلت من نفسى شيئا ، إنما اعتبرت قول الله عز وجل حكاية عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه : «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ» الآية.
وبعد أن أدّبهم الأدب الخلقي بطلبه منهم تهذيب نفوسهم واتباعهم مكارم الأخلاق ، شرع يؤدبهم الأدب العلمي بدراسة علم التشريح ، وعلم النفس ، ودراسة أحوال العوالم العلوية والسفلية فقال :
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) أي مالكم لا تخافون عظمة الله وقد خلقكم على أطوار مختلفة ، فكنتم نطفة فى الأرحام ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم كسا عظامكم لحما ، ثم أنشأكم خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين.