ومنها (ثاني عشر) أن القرآن الكريم وحده هو الذي يشير إلى أن يوسف ـ عليهالسلام ـ قد فضل السجن ، على أن يقترف الفاحشة ، وذلك حين خيّر بين أن تنال المرأة منه ما تريد ، وإلا فإن أبواب السجن مفتوحة على مصراعيها لاستقباله ، (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ ، فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١).
ومنها (ثالث عشر) إن القرآن الكريم وحده هو الذي يشير إلى أن يعقوب ـ عليهالسلام ـ حينما فقد في عاصفة هو جاء من عواصف الفتنة والحسد ، أعز فلذات كبده ـ يوسف الصديق ـ لم يغلبه الحزن الذي عصف بقلبه ، على الصبر الذي ملأ كيانه (٢) ، فإذا به يتقبل المأساة بما يتفق ومكان النبوة السامي ، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (٣) ، بينما تصوره التوراة في صورة لا نرتضيها للنبي الكريم ، «فأبى أن يتعزى ، وقال إني أنزل إلى ابني نائحا إلى الهاوية» (٤) ، وحين تتكرر المأساة مرة أخرى ، ويفقد يعقوب بنيامين ـ كما فقد يوسف من قبل ـ فإن الجواب في القرآن الكريم ، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٥) ، وأما الجواب في التوراة ـ وحتى قبل وقوع الكارثة ـ «إذا أصابته أذية تنزلون شيبتي بشر إلى الهاوية» (٦) ، بل إن القرآن الكريم ليشير بوضوح إلى أن مر السنين ، وكر الأيام ، لا يفقد الأمل في نفس النبي الكريم ،
__________________
(١) سورة يوسف : آية ٣٣ ـ ٣٤.
(٢) عبد الكريم الخطيب : المرجع السابق ص ٢١١.
(٣) سورة يوسف : آية ١٨.
(٤) تكوين ٣٧ : ٣٥.
(٥) سورة يوسف : آية ٨٣.
(٦) تكوين ٤٢ : ٣٦ ـ ٣٨ ، ٤٤ : ٢٩ ـ ٣١.