وأيا ما كان الأمر ، فإن موسى عليهالسلام ، إنما ينشأ في قصر فرعون ، أعظم ملوك الأرض في عصره ، كما ينشأ الأمراء ، وما أن يشب عن الطوق ، حتى تظهر بوادر ذكائه وقوة شخصيته ، فيتعلم ، فيما يرى بعض المؤرخين ، القراءة والكتابة والحساب ، ونسخ الصحائف على البردى ، ويتعلم شيئا من الفلك والجغرافية ، وأطرافا من التاريخ ، ويقرأ من قصص المصريين وآدابهم وحكمهم شيئا كثيرا ، وكما جاء في الإنجيل فقد «تهذب بكل حكمة المصريين» ، وعلى أية حال ، فلسنا نعرف من حياة موسى عليهالسلام ، منذ مولده وحتى صدر شبابه شيئا على وجه اليقين ، وأكبر الظن أنه تولى منصبا ، وتبوأ مكانة في دولة فرعون ، حيث بدأ أترابه ، كاتبا ، وغير بعيد أن يكون قد التحق بالجيش مع من التحق من أمراء البيت المالك (١).
وأما سياق قصة موسى في القرآن الكريم ، كما يقول الأستاذ سيد قطب ، طيب الله ثراه ، إنما يسكت عن السنوات الطوال ما بين مولد موسى عليهالسلام ، والحلقة التالية التي تمثل شبابه واكتماله ، فلا نعلم ما ذا كان بعد رده إلى أمه لترضعه ، ولا كيف تربى في قصر فرعون ، ولا كيف كانت صلته بأمه بعد فترة الرضاعة ، ولا كيف كان مكانه في القصر أو خارجه ، بعد أن شب وكبر ، ولا كيف كانت عقيدته ، وهو الذي يصنع على عين الله ، ويعد في وسط عباد فرعون وكهانته ، يسكت القرآن عن كل هذا ، ويبدأ الحلقة التالية مباشرة حين بلغ أشده واستوى فقد آتاه الله الحكمة والعلم وجزاه
__________________
ـ الكشاف ٣ / ٣٤٠ ـ ٣٤٢ ، ابن كثير : مختصر التفسير ٣ / ٢٣ ـ ٢٦ ، البداية والنهاية ١ / ٣٠٩ ـ ٣١٢ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٤٣ ـ ٤٥٢ ، ابن الأثير ١ / ١١٥ ـ ١١٦ ، سفر التثنية ٢٢ / ٢٢ ـ ٢٩ ، ثم أنظر حكم الزنا في التوراة : محمد بيومي مهران : إسرائيل ٣ / ١٩٤ ـ ١٩٥).
(١) أعمال الرسل ٧ / ٢٢ ، أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٩٢ ـ ٩٣ ،
وكذا ١٩٥٧Whiston, the Life and Works of Flavius Josephus, وكذاW.
F٧٧
.p ، Josephus ,Book ,II ,Chapter ,XI.