جزاء المحسنين ، قال تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، وبلوغ الأشد اكتمال القوة الجسمية ، والاستواء اكتمال النضج العقلي والعفوي ، وهو يكون عادة في سن الثلاثين ، فهل ظل موسى في قصر فرعون ربيبا ومتبنا لفرعون وزوجته حتى بلغ هذه السن ، أم أنه افترق عنهما واعتزل القصر ، ولم تسترح نفسه في ظل الأوضاع الآسنة التي لا تستريح لها نفس مصفاة مجتباة ، كنفس موسى عليهالسلام ، وبخاصة وأن أمه لا بد أن تكون قد عرفته من هو ومن قومه وما دينه ، وهو يرى كيف يسأم قومه الخسف البشع والظلم الشنيع ، والبغي اللئيم (١).
في الواقع ليس لدينا من دليل على شيء من ذلك ، وإن كان سياق الحوادث بعد هذا يلهم شيئا من هذا ، فلقد كان موسى ، فيما يبدو ، لا ينسى أنه من بني إسرائيل ، أولئك الذين فرض عليهم فرعون العذاب المهين ، وربما كان النبي الكريم يدرك أن الله إنما آتاه العلم والحكمة ليدرك قومه ، وينقذهم من ظلم فرعون وجبروته ، فكان كثير الحدب عليهم والشفقة بهم ، ومن ثم فقد تعرض بسببهم لمحنة قاسية ، انتهت به إلى الخروج من مصر ، والبقاء في مدين سنين عددا ، ذلك أنه ربما كان خارجا في أحد الأيام من قصر فرعون «ودخل المدينة على حين غفلة (٢) من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان ، هذا من شيعته (٣) وهذا من عدوه ، فاستغاثه الذي من شيعته على
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٨١.
(٢) الغفلة : روى عن ابن عباس : أنها بين العشاءين ، وروى عنه أيضا ، وعن سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدى : أنها وقت القائلة يعني انتصاف النهار (أنظر : تفسير القرطبي ص ٤٩٧٦ تفسير النسفي ٣ / ٢٢٩ ، تفسير الفخر الرازي ٤ / ٢٣٣ ، صفوة التفاسير ٢ / ٤٢٧ ، البداية والنهاية ١ / ٢٤١ ، ابن الأثير ١ / ٩٨ ، تفسير البيضاوي ٤ / ١٢٥) وقيل الغفلة عن ذكر موسى ونسيان أمره (تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣).
(٣) يقول الفخر الرازي في تفسيره (٢٤ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤) قيل الرجلان كانا كافرين ، إلا أن أحدهما ـ