يده السمراء ، وقد كان موسى عليهالسلام «آدم» أي مائلا إلى السمرة ، يخرجها من جيبه ، فإذا هي بيضاء من غير سوء ، بيضاء ليست عن مرض ، ولكنها المعجزة ، فإذا أعادها إلى جيبه عادت سمراء ، فإذا فرعون ، وقد أحس بضخامة المعجزة وقوتها يسرع بمقاومتها ودفعها ، وهو يحس ضعف موقفه ، ويكاد يتملق القوم من حوله ، ويهيج مخاوفهم من موسى وقومه ليغطي على وقع المعجزة المزلزلة (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) (١).
ولعل سائلا يتساءل : لم اختار الله معجزة لموسى عليهالسلام من نوع السحر؟
ولعل الجواب على ذلك ، إنما يأتي من دراستنا للتاريخ المصري في عصوره القديمة ، حتى نستطيع أن ندرك الحكمة من نزول الآية والمعجزة بالصورة التي شاء الله أن تنزل بهما ، فما كانت لتنزل إلا في أمر من واقع حياة الناس وما يدور بأذهانهم فتكون محققة في أعينهم على غير قاعدة ولا قياس لخارق من الأعمال ، طالما فكروا فيه وسمروا به وضربوا به أغوار الوهم وتخيلوه ، وقد ورد لنا عن الحياة المصرية القديمة من أحاديث السحر والسحارين ما كان الناس يخرجون به إلى عالم الغيب من عالم الشهادة ، ومن دنيا الواقع إلى آفاق الخيال (٢).
__________________
ـ بعد موت آدم فبقيت معه حتى لقي موسى ربه ليلا ، ومنها (خامسا) رواية تنسب للحسن البصري تقول إنها من عرض الشجر أخذها موسى دون أن يتخيرها ، وعن الكلبي أنها من شجرة العوسج ، ورأى الفخر الرازي أنه لا مطمع في ترجيح رواية على أخرى ، لأنه ليس في القرآن ما يدل عليها والأخبار متعارضة (تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧).
(١) سورة الشعراء : آية ٣٤ / ٣٥ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٠٣ ، في ظلال القرآن ٣ / ١٣٤٧ ، ٥ / ٢٥٩٤.
(٢) أحمد عبد الحميد : المرجع السابق ص ١٠٤.