بالعجز في غير مواربة ، فقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١).
وهكذا شاء الله ، أن يقرأ النبي الأمي ، وأن تكون معجزته كتابا (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٢) ، وأن يكون هذا الكتاب بما يتعلق فيه من آيات العلم والحكمة والسمو الأدبي ، هو حجته البالغة على أنه مبلغ عن الله ، لا بد له فيما يتلوه منه ، كما يقول الله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٣) ، ثم ليكون هذا الكتاب دستور أمة أمية ، لم تكن تقرأ وتكتب ، وأن يكون هذا الدستور أكمل وأمثل نظام عرفته البشرية ، وأن يكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، معجزة الإنس والجن في كل دهر وعصر (٤).
وعودا على بدء ، إلى معجزة موسى عليهالسلام ، حيث نرى أن المصريين إنما كانوا ـ فيما تشهد به قصص أدبهم ـ يحبون أحاديث السحر وخوارق الأعمال ، وفيما نسبوه إلى خوفو ـ وهو اختصار اسمه الكامل خنوم خوفو وى ـ في بردية وستكار (٥) ـ أو قصة خوفو والسحرة ، من حبه السحر
__________________
(١) سورة الإسراء : آية ٣٨ ، وأنظر : تفسير القرطبي ص ٣٩٤٢ ـ ٣٩٤٣ ، عبد الله محمود شحاتة : تفسير سورة الإسراء ص ٢٣٤ ـ ٢٣٧.
(٢) سورة فصلت : آية ٤٢ ، وأنظر تفسير الكشاف ٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، تفسير مجمع البيان ٢٤ / ٢٤ ـ ٢٦ ، تفسير روح المعاني ١٤ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ١٣١ ، تفسير النسفي ٤ / ٣٨٠ ، تفسير القرطبي ص ٥٨١٠ ـ ٥٨١١ ، تفسير ابن كثير ٧ / ١٧١ ـ ١٧٢.
(٣) سورة العنكبوت : آية ٤٨ ، وأنظر : تفسير القرطبي ص ٥٠٦٧ ـ ٥٠٦٩.
(٤) عبد الرحيم فودة : من معاني القرآن ص ٤ ـ ٦.
(٥) البردية محفوظة بمتحف برلين ، وترجع إلى أيام الدولة الوسطى ، وربما إلى عصر الهكسوس ، وكان «أدولف إرمان» أول من عني بنشرها ، كما نشرها «جاستون ماسبيرو» و «ماكس بيير» و «بييت» ، ومجموعة من العلماء المصريين والأوروبيين بعد ذلك ، (انظر : ـ