وهكذا يمكننا أن نفهم ما دار بين موسى وسحرة فرعون ، حينما «كلم الرب موسى وهارون قائلا : إذا كلمكما فرعون قائلا : هاتيا عجيبة تقول لهارون خذ عصاك وأطرحها أمام فرعون فتصير ثعبانا ، فدخل موسى وهارون إلى فرعون وفعلا هكذا كما أمر الرب ، طرح هارون عصاه أمام فرعون وأمام عبيده فصارت ثعبانا» (١) ، وإلى عصا موسى ـ وليس هارون كما تقول التوراة ـ يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (٢).
وهنا رأى الملأ من قوم فرعون ما راعهم وروّعهم ، ولكن خوفهم من فرعون منعهم من أن يقولوا كلمة الحق ، رأوا عصا موسى وقد صارت حية تسعى ، ورأوا يده بعد أن أخرجها من جيبه ، وقد صارت بيضاء من غير سوء ، فلم يصدقوه مع ذاك في أنه مرسل من قبل الله رب العالمين ، واتهموه بأنه ساحر ماهر ، يريد أن يستعلي هو وأخوه في أرض مصر ، ليخرجا منها أهلها ، ويمكنا لبني إسرائيل فيها ، وانتهوا بعد التشاور إلى أن يرجئ فرعون موسى وأخاه ، دون عقاب ، حتى تبطل حجتهما وتثبت إدانتهما ، وذلك بأن يحضر المهرة من السحرة من مدائن مصر ، ليواجه بهم هذا الساحر الماهر ، وإلى هذا يشير القرآن في قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ ، قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) (٣).
واجتمع السحرة في ميقات معلوم ، يوم الزينة ، ولعله يوم عيد وفاء
__________________
(١) خروج ٧ : ٨ ـ ١٠.
(٢) سورة الشعراء : آية ٣٢ ـ ٣٣.
(٣) سورة الأعراف : آية ١٠٩ ـ ١١٢ ، وأنظر : تفسير الطبري : ١٣ / ١٨ ـ ٢٥ ، تفسير المنار ٩ / ٣٣ ـ ٥٥ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٥١ ـ ٤٥٢ ، وأنظر : يونس آية ٧٨ ـ ٧٩ ، طه ٥٧ ـ ٦٤ ، الشعراء ٣٤ ـ ٣٨.