النيل ، أو غيره من أعياد المصريين (١) ، ثم تقدموا ممتلئين ثقة بأن لهم النصر والأجر ، (قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ ، قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٢) ، ومن ثم فقد خيروا موسى فيمن يبدأ قائلين : (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) (٣) ، ويذهب الإمام الفخر الرازي إلى أن السحرة المصريين قد تواضعوا لموسى عليهالسلام فقدموه على أنفسهم ، فقالوا «إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى» ، فلما تواضعوا له ، تواضع هو أيضا فقدمهم على نفسه ، وقال : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) ، وهكذا قدم موسى السحرة على نفسه ، رجاء أن يصير ذلك التواضع سببا لقبول الحق ، ولقد حصل ببركة ذلك التواضع ذلك المطلوب ، ويقول الزمخشري في الكشاف : تخيّرهم إياه أدب حسن راعوه معه ، كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين قبل أن يتخاصموا في الجدال ، والمتصارعين قبل أن يأخذوا في الصراع ، وقال القرطبي : تأدبوا مع موسى بقولهم «إما أن تلقي» فكان ذلك سبب إيمانهم.
على أن هناك من يذهب إلى أن تخيّرهم لموسى لم يكن من باب الأدب ، وإنما كان كما يقول صاحب البحر المحيط ، من باب الإدلال لما يعلمونه من السحر ، وإيهام الغلبة والثقة بأنفسهم ، وعدم الاكتراث بأمر موسى ، وقد أعطاهم موسى فرصة التقدم ، وثوقا بالحق ، وعلما بأن الله تعالى سيبطل سحرهم ، كما حكى الله عن موسى ، حيث قال : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ
__________________
(١) أنظر عن الأعياد (محمد بيومي مهران : الحضارة المصرية ـ الإسكندرية ١٩٨٤ ص ١١٢ ـ ١١٥).
(٢) سورة الأعراف : آية ١١٣ ـ ١١٤ ، وأنظر : الشعراء : آية ٤١ ـ ٤٢.
(٣) سورة طه : آية ٦٥ ، وأنظر : الأعراف : آية ١١٥ ، ثم قارن : يونس : آية ٨٠ (فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) والشعراء آية ٤٣ (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) وفي هاتين الآيتين (بعكس آيتي الأعراف ١١٥ ، طه ٦٥) نرى موسى عليهالسلام هو الذي يقدم السحرة ، دونما تخيير منهم له ، على أن يبدءوا بعرض مهاراتهم السحرية.