إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) ويذهب صاحب الظلال إلى أن التحدي إنما كان واضحا في تخيرهم لموسى ، وتبدو كذلك ثقتهم بسحرهم وقدرتهم على الغلبة ، وفي الجانب الآخر تتجلى ثقة موسى عليهالسلام ، واستهانته بالتحدي ، «قال ألقوا» فهذه الكلمة الواحدة تبدو فيها قلة المبالاة ، وتلقي ظل الثقة الكامنة وراءها في نفس موسى ، على طريقة القرآن الكريم في إلقاء الظلال بالكلمة المفردة في كثير من الأحايين (١).
وأيا ما كان الأمر ، فلقد تقدم السحرة (٢) واثقين من النصر ،
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، تفسير البحر المحيط ٤ / ٣٦١ ، تفسير القرطبي ١١ / ٢١٤ ، في ظلال القرآن ٣ / ١٣٤٩.
(٢) اضطرب الناقلون للأخبار في عدد السحرة اضطرابا متناقضا يعجب العاقل ، كما يقول أبو حيان ، من تسطيره في الكتب ، فمن قائل ١٢ ألف أو ١٧ ألف أو ٣٠ ألف أو ٨٠ ألف ، أو ٧٠ ألف ، ألقوا ٧٠ ألف عصا ، ٧٠ ألف حبل ، على أن أغرب ما في الروايات أنهم كانوا ٧٢ ساحرا ، اثنان من المصريين ، ٧٠ من بني إسرائيل ، وقيل تسعمائة ، ثلاثمائة من الفرس ، وثلاثمائة من الروم ، وثلاثمائة من الإسكندرية ، وجاء في تفسير الطبري عن ابن عباس أن فرعون قال : لا نغالبه (أي موسى) إلا بمن هو منه ، فبعث بعلماء بني إسرائيل إلى الفرما يعلمونهم السحر ، لما يعلم الصبيان الكتاب في الكتاب ، فعلموهم سحرا كثيرا ، حتى قال كبيرهم أنه علمهم سحرا لا يطيقه أهل الأرض ، إلا أن يكون ، أمرا من السماء ، فإنهم لا طاقة لهم به ، فأما سحر أهل الأرض فإنه لن يغلبهم (تفسير الطبري ١٣ / ٢٥ ، تفسير البحر المحيط ٤ / ٣٦٠ ، ٦ / ٢٦ ، تفسير القرطبي ١١ / ٢١٤ ، ابن كثير : مختصر التفسير ٢ / ٤٨٦ ، البداية والنهاية ١ / ٢٥٤ ، تفسير الدر المنثور ٣ / ١٠٦ ، تاريخ ابن الأثير ١ / ١٠٣ ، تفسير النسفي ٣ / ٥٧) وبدهي أن المبالغة واضحة من هذه الأعداد ، فما كان التنافس بينهم وبين موسى يحتاج إلى أعداد تصل إلى تسعمائة ألف ساحر ، وربما كان رقم ٧٢ ساحرا ، مقبولا نوعا ما ، وأما الأماكن التي جاء منها السحرة كبلاد الفرس والروم والإسكندرية ، فليت الذين كتبوا ذلك يعلمون أن الإسكندرية أنشئت عام ٣٣٢ ق. م ، وبعد هذه الأحداث بما يقرب من ألف عام ، وأن الفرس ظهروا عام ٥٢٥ ق. م ، أي بعد هذه الأحداث بحوالي ٧٠٠ عام ، والروم بعدها بما يقرب من اثنى عشر قرنا ، وأن الفرما أو العريش لم تكن من المراكز العلمية في مصر ، وأن مصر باتت تموج بالسحرة ، وقد بلغوا شأوا بعيدا فيه ، وما كانوا في حاجة لبني إسرائيل ، الذين ما كانوا يعرفون علما أو فنا أو صناعة ، غير ـ