يكادوا يمضون مع موسى عليهالسلام ، بعد خروجهم من البحر ، ونجاتهم من آل فرعون ، حتى رأوا قوما يعبدون أصناما لهم ، فنسوا كل ما كانوا يذكرونه من آيات الله لموسى ونجاتهم معه وقالوا ما حكاه القرآن في قوله تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١) ، و «الفاء» في قوله تعالى : (فَأَتَوْا) تفيد ، كما هو معروف ، الترتيب والتعقيب ، ومعنى ذلك أنه لم يمضي وقت بعد خروجهم من البحر ونجاتهم من الهلاك ، حتى عادوا إلى الوثنية التي ألفوها ، وألفوا الذل معها ، وهذا يدل على أن الإيمان لم يخالط بشاشة قلوبهم ، ولم يتمكن من ضمائرهم ومشاعرهم ، ولم يثمر فيهم الثمرة الطيبة لكل شجرة طيبة ، وإنما كان إيمانهم بموسى إيمانا بإمامته وزعامته ، لا إيمانا بالله الذي خلقه وسواه (٢).
وليس هناك من ريب في أن بني إسرائيل باتخاذهم العجل من بعد موسى ، كما سنرى ، وبمطالبتهم موسى أن يتخذ لهم إلها ، كما لهؤلاء القوم المتعبدين لحاتور آلهة ، إنما كانوا في الحالتين ، لما اعتادوا في مصر من الآلهة الوثنية مرتدين ، وأنهم ربما اتخذوا العجل من حليهم من الذهب فتنة بـ «حاتور الذهبية» ، وما كان لها من منزلة في النفوس وقت ذاك ، هذا فضلا تأثروا به من حب المصريين للذهب وصنع تماثيلهم الثمين منه ، وما ندري لعل لله تعالى حكمة فيما كان من أمره بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة ، وأنها «بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين» ، ولقد كان البقر في مصر من أنواع
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ١٣٨ ـ ١٣٩ ، وانظر : تفسير الطبري ١٣ / ٨٠ ـ ٨٤ ، الجواهر في تفسير القرآن الكريم ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، تفسير القرطبي ص ٢٧٠٩ ـ ٢٧١٠ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٦٤ ـ ٤٦٥ ، تفسير المنار ٩ / ٩١ ـ ٩٩ ، تفسير النسفي ٢ / ٧٣ ـ ٧٤.
(٢) عبد الرحيم فودة : من معاني القرآن ص ١٩٣ ـ ١٩٤.