وألوان حيث كان فيه الأسود ، ونوع آخر لا نراه اليوم يجمع بين البياض والسواد ، ويشبه ما هو معروف في أوربا اليوم ، ولعل فيما أبدى بنو إسرائيل من تلكؤ ومراوغة في ذبح البقرة ، وما كان من تنطعهم في التساؤل عنها وعن لونها من أثر ما كان قد وقر في نفوسهم من تقديس «حاتور» (١) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ، قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ، قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ، قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ، قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ، قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٢).
وهكذا يبدو واضحا مدى تأثير الديانة المصرية القديمة في بني إسرائيل ، تلك الديانة التي تمكنت من نفوسهم إبان إقامتهم الطويلة في مصر ، والتي جاوزت قرونا أربعة ، لدرجة أنهم ما كانوا بمستطيعين الإيمان بدعوة موسى ، إما خوفا من فرعون ، وإما خوفا من شيوخ بني إسرائيل ، كما أشرنا من قبل ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) (٣) ،
__________________
(١) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ١٢٧ ـ ١٢٨.
(٢) سورة البقرة : آية ٦٧ ـ ٧١ ، وانظر عن القصة : تفسير الطبري ٢ / ١٨٢ ـ ٢٢٢ ، تفسير المنار ١ / ٢٨٦ ـ ٢٩٠ ، تفسير ابن كثير ١ / ١٥٤ ـ ١٦٠ ، البداية والنهاية ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٥ ، تفسير النسفي ١ / ٥٣ ـ ٥٥ ، تفسير القرطبي ص ٣٧٨ ـ ٣٨٧.
(٣) سورة يونس : آية ٨٣ ، وانظر ، تفسير المنار ١١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، معاني القرآن للفراء ١ / ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، تفسير الطبري ١٥ / ١٦٣ ـ ١٦٧ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، تفسير القرطبي ص ٣٢٠٨ ـ ٣٢٠٩.