باعتبار أن الضمير في «ملئهم» راجع إلى قوم موسى ، بل إن القوم برموا بموسى وضجروا به ، و (قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) (١).
هذا ويذهب المفسرون والمؤرخون المسلمون إلى أن الأصنام التي وجدها بنو إسرائيل بعد انغلاق البحر ، إنما هي تماثيل بقر ، وذلك ، فيما يرى البيضاوي ، أول عبادة العجل ، ويقول الطبري في تفسيره أن القوم كانوا يعبدون أصناما على صور البقر ، فلما كان عجل السامري شبه إليهم أنه من تلك البقر ، ومن ثم فقد أثار ذلك شبهة لهم في عبادة العجل بعد ذلك ، وأما صاحب البحر المحيط ، فقد أورد روايتين ، الواحدة تذهب إلى أن البقر كان بقرا حقيقيا ، وتذهب الثانية إلى أنه كان تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوه ، وكان ذلك أول فتنة العجل ، على أن الإمام السيوطي إنما يذهب إلى أنها تماثيل بقر من نحاس ، فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر ، فذلك أول شأن العجل لتكون لله عليهم حجة فينتقم منهم بعد ذلك ، ويقول ابن عطية : الظاهر أنهم استحسنوا ما رأوا ، فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى ، وفي جملة ما يتقرب به إلى الله تعالى ، وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى : «اجعل لنا إلها نفرده بالعبادة (٢) ، فإذا كان ذلك كذلك ، فإن القوم ما عرفوا بعد دعوة التوحيد التي جاء بها موسى عليهالسلام ، ومن ثم فما آمنوا بعد برب موسى ، أو على الأقل أكثرهم ، حتى بعد انغلاق البحر ، وما سبقه من معجزات ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣) ، وتقول التوراة «فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ١٢٩.
(٢) تفسير البيضاوي ٣ / ٢٥ ، تفسير الطبري ٣ / ٨٠ ـ ٨٤ ، تفسير المحيط ٤ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، تفسير الدر المنثور للسيوطي ٣ / ١١٤ ، مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٤٧ ، صفوة التفاسير للصابوني ١ / ٤٦٨ ، تفسير النسفي ٢ / ٧٤.
(٣) سورة الشعراء : آية ٦٥ ـ ٦٧.