ساجِدِينَ ، قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١).
وهكذا عرف يعقوب ، كما جاء في تفسير أبي السعود (٤) ، من رؤيا يوسف أن الله تعالى سيبلغه مبلغا جليلا من الحكمة ، ويصطفيه للنبوة ، وينعم عليه بشرف الدارين ، فخاف عليه حسد الأخوة ، ونصحه بأن لا يقص رؤياه عليهم فيكيدوا له ، مع أن يعقوب كان يعلم أنهم ليسوا بقادرين على تحويل ما دلت الرؤيا عليه ، وقد جاء في الأثر «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ، فإن كل ذي نعمة محسود».
هكذا بدأ إخوة يوسف يضمرون له الشر ، لأنه أحب إلى أبيهم منهم «قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ، إن أبانا لفي ضلال مبين» ، والآية الكريمة تشير إلى إيثار يعقوب ليوسف وأخيه عليهم ، وهم عصبة (والعصبة والعصابة : العشرة من الرجال فصاعدا سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم) ويقول الشيخ الشعراوي في الفتاوى : إن إيثار فرد بالحب عن الآخرين ينشئ في نفس الآخرين عقدة النقص التي تؤدي إلى أن يكون السلوك غير منطقي على المبدأ الخلقي ، ولذلك حين أحس إخوة يوسف بأن يوسف وأخاه أحب إلى أبيهم منهم ، فكروا في أن يزيحوا ذلك الحب من طريقهم وقالوا : نحن عصبة ، ولو أنهم فهموا بعض الفهم لعرفوا أنهم جاءوا بحيثية امتاز ذلك الصغير بالحب ، لأنهم عصبة ولأنهم أشداء ، وهو صغير يعطف عليه ، فلا يقيسوا العطف والحب هنا على العطف والحب عليهم ، لأنهم اجتازوا مرحلة العطف والحب ، فالإنسان منا يحب صغيره لأنه يعتقد أن هذا الصغير بالنسبة لأخوته هو أقصرهم عمرا معه
__________________
(١) سورة يوسف آية ٤ ـ ٥ ، ٥٥٤ ـ ٥٥٩ ، تفسير المنار ١١ / ٢٩٠ ـ ٢٩٩ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩ ، تفسير الخازن ٣ / ٢٦١ ـ ٢٦٣.