وأنه في حاجة مع العجز إلى شيء كثير من الحب ، فلو أن الكبار فهموا تلك العلاقة لما جعلوها عيبا في الأب (١).
وعلى أية حال ، فالآية ، كما في ظلال القرآن (٢) ، لا تشير إلى علمهم برؤياه ، ولو كانوا قد علموا برؤياه لجاء ذكرها على ألسنتهم (٣) ، ولكانت أدعى إلى أن تلهج ألسنتهم بالحقد عليه ، فما خافه يعقوب على يوسف لو قص رؤياه على إخوته قد تم عن طريق آخر ، وهو حقدهم عليه لإيثار أبيهم له ، ولم يكن بد أن يتم لأنه حلقة في سلسلة الرواية الكبرى المرسومة لتصل بيوسف إلى النهاية المرسومة ، والتي تمهد لها ظروف حياته وواقع أسرته ، ومجيئه لأبيه على كبره ، وأصغر الأبناء هم أحب الأبناء ، وبخاصة حين يكون الوالد في سن الكبر ، كما كان الحال مع يوسف وأخيه ، وإخوته من أمهات ، وهكذا بدأ الحقد يغلي في نفوس إخوة يوسف ، ويدخل الشيطان بينهم ، فيختل تقديرهم للواقع ، وتتضخم في حسهم أشياء صغيرة ، وتهون أحداث ضخام ، تهون الفعلة الشفعاء المتمثلة في إزهاق روح غلام برىء لا يملك دفعا عن نفسه ، وهو أخ لهم ، وهم أبناء نبيّ ، وإن لم يكونوا هم أنبياء ، يهون هذا ، وتتضخم في أعينهم حكاية إيثار أبيهم له بالحب ، حتى توازى القتل ، أكبر جرائم الأرض قاطبة ، بعد الشرك بالله ، وهكذا دبروا له مكيدة ، كي يخلو لهم وجه أبيهم ، وأنجزوا خطتهم للتخلص منه ، بأن (اقْتُلُوا يُوسُفَ
__________________
(١) محمد متولي الشعراوي : الفتاوى ١٠ / ٧١ ـ ٧٤ (بيروت ١٩٨٢).
(٢) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٧٣ (بيروت ١٩٨٢).
(٣) جاء في تاريخ ابن الأثير : أن امرأة يعقوب سمعت ما قال يوسف لأبيه ، فقال لها يعقوب : اكتمي ما قال يوسف ولا تخبري أولادك ، قالت نعم ، فلما أقبل أولاد يعقوب من الرعي أخبرتهم بالرؤيا ، فازدادوا حسدا وكراهة له وقالوا : ما عنى بالشمس غير أبينا ولا بالقمر غيرك ولا بالكواكب غيرنا ، إن ابن راحيل يريد أن يمتلك علينا ويقول : أنا سيدكم. (الكامل ١ / ٧٨ ـ ٧٩).