أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) (١).
وفي الواقع ، فإن قصة الصديق ، كما جاءت في التوراة والقرآن العظيم ، إنما تشير بوضوح إلى أن إخوته إنما ظلوا ردحا من الزمن ضحايا الكبت الذي عانوه ، كي يخفوا رغبتهم في التخلص من يوسف رغبة في أن يخلوا لهم حب أبيهم ، ولكنهم كانوا يفشلون في إخفائها وكبتها ، بل كثيرا ما كانت تبدو فيما يصدر عنهم من مواقف أو كلمات ضد يوسف ، مما جعل أباهم يعقوب يشك في حسن نواياهم ، عند ما دعوا يوسف ليلعب معهم (٢) ، فقال لهم (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) (٣) ، وهو في الواقع إنما كان يتخوف عليه من عدوانهم أكثر مما يتخوف عليه عدوان الذئب ، ولكنه أراد أن يصرفهم عنه بتلك الفعلة ، ولكن إخوة يوسف كانوا بارعين في الدهاء ، فقالوا لأبيهم (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) (٤).
وهكذا كان من نتيجة الكبت الذي عانوه أن انحرفوا بتفكيرهم ، فكل ما كان يهمهم تحقيقه هو أن يحولوا بين يوسف وأبيه فاتفقوا على قتله ، وتلطيخ قميصه بالدم ، وادعاء أن الذئب أكله ، لما ذهبوا يتسابقون وتركوه عند متاعهم ، غير أن التلفيق كان واضحا ، أو كان ساذجا ، لأن القميص لم يكن ممزقا بآثار أسنان الذئب ، أو كما قال يعقوب ، في رواية السدى ، إن كان هذا الذئب لرحيما ، كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه (٥) ، وهكذا ألهاهم
__________________
(١) سورة يوسف : آية ٩.
(٢) التهامى نقرة : سيكولوجية القصة في القرآن ـ تونس ١٩٧٤ ص ١٥٦ (رسالة دكتوراه).
(٣) سورة يوسف آية ١٣.
(٤) سورة يوسف : آية ١٤.
(٥) جاء في تفسير الطبري عن ابن عباس أنه قال : ذبحوا شاة ولطخوا بدمها القميص ، فلما جاءوا يعقوب قال : كذبتم لو أكله الذئب لمزق قميصه ، وفي رواية أخرى ، كما في تفسير النسفى