الحقد الفائر عن سبك الكذبة ، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها منذ المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم ، ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون ، يخشون أن لا تؤاتيهم الفرصة مرة أخرى ، كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب المكشوفة دليلا على التسرع ، وقد كان أبوهم يحذرهم فيها أمس وهم ينفونها ، ويكادون يتهكمون بها ، فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم منه أبوهم أمس ، وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه في غير إتقان ، فكان ظاهر الكذب حتى ليوصف بأنه كذب (١) ، الأمر الذي جعل يعقوب لا يصدقهم ، ولهذا كان يدعوهم دائما إلى أن يتقصوا آثار أخيهم ، وقد وقعوا في حالة «التبرير» ، كما يفعل المذنب ، إذ يعمد إلى تفسير سلوكه ليبيّن لنفسه وللناس أن لسلوكه هذا أسبابا معقولة (٢) ، فهم يقولون (يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا ، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (٣).
وعلى أية حال ، فلقد كان أخوة يوسف قد أجمعوا أمرهم على أن
__________________
ـ وأبي السعود والخازن ، نهم ذبحوا سخلة ولطخوا القميص بدمها ، وزل عنهم أن يمزقوا القميص ، فلما سمع يعقوب بخبر يوسف صاح بأعلى صوته ، وقال : أين القميص وأخذوه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال : تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا ، أكله ولم يمزق عليه قميصه ، وفي رواية ثالثة في تفسير الخازن أنهم أتوا بذئب وقالوا ليعقوب : هذا أكل ابنك ، فقال الذئب حين سأله ، وقد أنطقه الله ، والله ما أكلت وما رأيت ولدك قط ، ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء ، فقال يعقوب كيف وقعت في أرض كنعان ، قال : أتيت لصلة الرحم فأخذوني وأتوا بي إليك فأطلقه يعقوب (انظر : تفسير الطبري ١٢ / ١٦٤ ، تفسير أبي السعود ٤ / ٢٦٠ ، تفسير الخازن ٣ / ٢٦٩ ، تفسير النسفى ٢ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ، صفوة التفاسير ٢ / ٤٤).
(١) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٧٥ ـ ١٩٧٦.
(٢) التهامي نقرة : المرجع السابق ص ٥١٦ ـ ٥١٧.
(٣) سورة يوسف : آية ١٧.