يجعلوه في غيابت الجب (١) ، ولكنهم سرعان ما غيروا رأيهم حيث أشار يهوذا على أن يبيعوه للإسماعيليين ، ولكن الأمور لم تسر كما يرغبون ، وكما تقول التوراة «جاء رجال مديانيون تجار فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر ، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة ، فأتوا بيوسف إلى مصر (٢)» ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ ، قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ ، وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ ، وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (٣).
وهكذا هبط الصديق مصر ، كرقيق اشتراه رئيس الشرطة المصري بثمن بخس دراهم معدودة ، رأى بعض المفسرين أنها دون الأربعين ، على أساس أنها معدودة لا موزونة ، وإنما يعدّ القليل ، ويوزن الكثير ، وكانت العرب تزن ما بلغ الأوقية ، وهي أربعون درهما مما فوقها ، وتعدّ ما دونها ، ولهذا يعبرون عن القليلة بالمعدودة ، وذهب ابن عباس وابن مسعود وغيرهما إلى أنهم باعوه بعشرين درهما ، بينما ذهب فريق ثالث إلى أنهم باعوه بأربعين درهما (٤) ، وأيا ما كان الأمر ، فقد كانت هذه نهاية المحنة الأولى في حياة النبي الكريم.
__________________
(١) ذهب بعض المفسرين إلى أنها بئر بأرض الأردن أو هي بين مصر ومدين أو هي على مبعدة ثلاثة فراسخ من منازل يعقوب في كنعان ، وهو الأرجح ، أو هي بئر المقدس ، غير أن التقاط السيارة له ومجيئهم أباهم عشاء يبكون ذلك اليوم ، يضعف هذا الإتجاه (تفسير أبي السعود ٤ / ٢٥٨ ، تفسير النسف ٢ / ٢١٤).
(٢) تكوين ٣٧ / ١٨ ـ ٢٨.
(٣) سورة يوسف : آية ١٩ ـ ٢٠.
(٤) تفسير الطبري ١٦ / ١٣ ـ ١٦ ، تفسير القرطبي ٩ / ١٥٥ ـ ١٥٧ ، تفسير المنار ٢ / ٢٨١ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٣٠٥ ، تفسير روح المعاني ١٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، تفسير أبي السعود ٤ / ٢٦١ ، تفسير الخازن ٣ / ٢٧١ ، تفسير النسفى ٢ / ٢١٥ ، مؤتمر تفسير سورة يوسف ١ / ٤٢١ ـ ٤٢٧ ، المقدسي : البدء والتأريخ ٣ / ٦٨.