وليست توراة موسى ، إنما هو الذي صنع العجل الذهبي ، وأغوى به بني إسرائيل ، وليس السامري ، بعبادته ، وذلك حين اتخذ لهم من حليهم عجلا جسدا في أثناء غياب موسى إلى ميقات ربه ثلاثين ليلة ، فلما أتمها له ربه أربعين ليلة ، كفرت خراف بني إسرائيل الضالة بموسى وإله موسى ، وعادت إلى ما ألفته من عبادة العجول في مصر (١) ، والحق أنني لست أدري ، كيف نسي من كتب كل ذلك في توراة يهود المتداولة اليوم ، أن هارون أخو موسى ، ونبي ورسول من الله مع موسى ، ونائب لموسى وخليفته في غيابه ، ولكنهم بنو إسرائيل دائما مع الفاسد المفسد ، ولو كان السامري.
وأما في القرآن الكريم ، فإن هارون عليهالسلام ، إنما هو نبي الله ورسوله ، وأن الله تعالى قد أرسله ، مع أخيه موسى ، إلى فرعون وملئه (٢) ، وليس هو الذي صنع العجل الذهبي ، وحاشاه أن يفعل ذلك ، وأغوى بني إسرائيل بعبادته ، وإنما ذلك هو السامري (٣).
ويعلم الله ، وتشهد ملائكته ، أن موسى وهارون ، عليهماالسلام ، لم يكونا ، ولن يكونا ، كما صورتهما توراة يهود ، وإنما كانا رسولين كريمين ، بذلا الجهد في تبليغ دعوة ربهما ، وأفنيا عمرهما من أجلها ، حتى لقيا الله تعالى مطمئنين إلى رضاه ، وهكذا يرفع القرآن الكريم هذين النبيين الكريمين إلى الدرجة التي يستحقانها من التكريم والإجلال والمهابة ، ثم يطلب من المؤمنين به أن يرتفعوا إلى مستوى دينهم القويم ، فلا يتأثروا بما يعرفون عن بني إسرائيل في حكمهم على موسى ، عليهالسلام (٤) ، فيقول
__________________
(١) خروج ٣٢ / ٢ ـ ٦.
(٢) سورة مريم : آية ٥١ ـ ٥٣ ، طه : آية ٢٥ ـ ٣٦ ، ٤٢ ـ ٤٧ ، الشعراء : آية ١٠ ـ ١٦ ، الصافات : آية ١١٤ ـ ١٢٢.
(٣) الأعراف : آية ١٤٨ ـ ١٥٢ ، طه : ٨٣ ـ ٩٨.
(٤) أنظر : محمد بيومي مهران : إسرائيل ٣ / ١٩٧ ـ ٢٠٣ ، عبد الرحيم فودة : من معاني القرآن ص ٢١٤.