ولعل أهم الاختلافات بين قصة موسى عليهالسلام في القرآن ، وتلك التي جاءت في التوراة ، (أولا) أن المرأة التي التقطت موسى من اليم وأنقذته من فرعون إنما هي في القرآن امرأة فرعون ، بينما هي في التوراة ابنته (١) ، ومنها (ثانيا) أنه ليس في القرآن الكريم ما يشير إلى أن امرأة فرعون كانت تعرف أن موسى عليهالسلام إنما كان من أبناء العبرانيين ، بينما هي في التوراة قد عرفت تلك الحقيقة منذ اللحظة الأولى ، بل وقد أعلنت ذلك للملإ (٢) ، ومنها (ثالثا) أن التوراة إنما تصور المصري الذي قتله موسى على أنه كان يضرب رجلا عبرانيا ، وأن موسى عند ما رأى ذلك التفت هنا وهناك ، وعند ما تأكد أن أحدا لا يراه قتل المصري وطمره في الرمل ، وفي اليوم التالي رأى عبريين يتخاصمان ، أحدهما صاحبه بالأمس فزجره ، فقال له صاحبه العبري : أتفكر في قتلي كما قتلت المصري بالأمس ، فلما علم فرعون بالأمر طلب أن يقتل موسى ، ولكنه هرب إلى مدين ، ولكن القصة في القرآن أن موسى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ، هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ ، فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ، قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ، قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) ، ولم يكن المجرمون الذين عزم موسى على ألا يظاهرهم ويناصرهم ، إلا هؤلاء من بني إسرائيل ، وهكذا ندم موسى على أن ظاهر الإسرائيلي على المصري ، فكان من نتيجة ذلك أن قتل نفسا حرم الله قتلها ، ومن ثم فقد عزم ، بعد أن تاب وأناب ، ألا يكون ظهيرا للمجرمين ، (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ، فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ
__________________
(١) سورة القصص : آية ٨ ـ ٩ ، خروج ٢ / ٥ ـ ١٠.
(٢) سورة القصص : آية ٧ ـ ٩ ، خروج ٢ / ٦.