ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك من يزعم أن يوسف عليهالسلام ، قد استقل بملك مصر ، اعتمادا على قول يوسف في دعائه «رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث» ، ولا دليل لهم في ذلك ، فيما يرى ابن خلدون ، لأن كل من ملك شيئا ، ولو في خاصة نفسه ، فاستيلاؤه يسمى ملكا ، حتى البيت والفرس والخادم ، فكيف من ملك التصرف ، ولو كان من شعب واحد منها ، فهو ملك ، وقد كان العرب يسمون أهل القرى والمدائن ملوكا (١) ، فما ظنك بوزير مصر لذلك العهد ، وفي تلك الدولة ، وأما الذين يستدلون بقوله تعالي : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) فهو ليس بديل أيضا ، لأن التمكين يكون بغير الملك ، ونص القرآن إنما هو بولاية على أمور الزرع في جمعه وتفريقه ، كما قال تعالى : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ، ومساق القصة كلها أنه مرءوس في تلك الدولة بقرائن الحال كلها ، لا يتوهم من تلك اللفظة الواقعة في دعائه ، فلا نعدل عن النص المحفوف بالقرائن إلى هذا المتوهم الضعيف ، وأيضا فالقصة في التوراة (٢) قد وقعت صريحة في أنه لم يكن ملكا ولا صار إليه ملك ، وأيضا فالأمر الطبيعي من الشوكة والقطامة له يدفع أن يكون حصل له ملك ، لأنه إنما كان في تلك الدولة قبل أن يأتي إليه إخوته منفردا لا يملك إلا نفسه ، ولا يتأتى الملك في هذا الحال (٣) ، هذا فضلا عن
__________________
(١) تشير نصوص فرعون مصر تحوتمس الثالث (١٤٩٠ ـ ١٤٣٦ ق ، م) على أنه حارب في موقعه مجد وحوالي عام ١٤٦٨ ق ، م ، أعداءه من ملوك سورية بزعامة أمير قادش ، وعددهم ٣٣٠ ملكا وأميرا ، مع كل منهم جيشه الخاص ، وقد انتصر عليهم ، كما تشير نصوص شلمنصر الثالث الأشوري أنه حارب في موقعه قرقر عام ٨٥٣ ق ، م حلفا من الأمراء السوريين يضم اثنى عشر ملكا على رأسهم بنحدد ملك دمشق ، كما اعتاد العرب تسمية حكام القرى والمدائن ملوكا مثل هجر ومعان ودومة الجندل ، وكان ولاة الأطراف وعمالها في الخلافة العباسية يسمون ملوكا.
(٢) تكوين ٤١ / ٣٣ ـ ٥٧.
(٣) تاريخ ابن خلدون ٢ / ٤٧.