أن جمهرة المؤرخين والمفسرين إنما تذهب إلى أنه كان أشبه بوزير التموين أو المالية أو ما يشبه ذلك ، مما يفهم منه أنه كان المسئول عن جمع الغلال وحفظها في الأهراء في سنوات الرخاء ، وحسن استخدامها في أعوام المجاعة (١).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التاريخ المصري إنما يصدق الأحداث التي أتت بيوسف عليهالسلام إلى هذا المنصب ذلك أن مصر إنما كانت عرضة للمجاعات ، وفترات من تدهور الإنتاج الزراعي والحيواني على مرّ العصور ، ولقد كان ذلك في أغلب الأحايين من آثار اضطراب النيل وامتناع فيضه ، وإخلاله بالوفاء ، كما تعوّد وتعوّد منه الناس كل عام ، فإذا تدهور وأقام على نقائصه لم تكد مياهه لتصل إلى الأرض التي تتحرق شوقا إليه ، وتنتظر العام كله ، أو جله ، للقائه ، فعندئذ فلا ريّ ولا استنبات ، ثم لا زرع ولا ضرع ، فتكون الكارثة التي تنزل بالبلاد والعباد (٢).
والتاريخ يحدثنا أن الله تعالى ما جعل بلدا في العالم ، تتوقف حياته ووجوده ، مصيره ومستقبله ، في السلم أو في الحرب ، أو يرتبط سكانه وتاريخه بنهر ، مثلما تفعل مصر والنيل ، ومن ثم فإذا بالغ النيل في فيضه أحيانا ، فتعظم أمواهه وتضري أمواجه ، فإذا هو يندفع طوفانا عنيفا مدمرا مغرقا كل شيء ، ثم لا يكاد ينحسر عن الأرض إلا وقف انقضى من أوان البذر وقت قد يكون على الإنتاج أيام الحصاد سيّئ المسغبة ، وإن لم يبلغ
__________________
(١) أنظر : تاريخ الطبري ١ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، الكل لابن الأثير ١ / ٨٣ ـ ٨٨ ، ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢١٠ ، صفوة التفاسير ٢ / ٥٧ ، تفسير أبي السعود ٤ / ٢٨٦ ، تفسير الخازن ٣ / ٢٩٢.
(٢) انظر : تفسير ابن كثير ٤ / ٣٢١ ، تفسير القرطبي ص ٣٤٤٦ ـ ٣٤٤٧ ، تفسير الطبري ١٦ / ١٤٨ ـ ١٥٢ ، تفسير النسفي ٢ / ٢٢٨ ، أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٥٥ ، تفسير الجلالين ص ٣١١ ـ ٣١٢ ، صفوة التفاسير ٢ / ٥٧.