ذلك من سوئه مبلغ نقص الماء ، ذلك أن النهر إن هبط عن معدله الطبيعي ، فهي «الشدة» التي قد تصل إلى «المجاعة» ، وإذا كان الفيض المغرق يعني الطاعون ، فإن المجاعة كانت تعني «الموتان» الذي يصل إلى حد نشر معه الطاعون بدوره بعد ذلك حتى يتناقص السكان بدرجة مخيفة (١).
على أن إنحباس النيل ونضوب موارد الدولة ، إنما كان وثيق الصلة بما كان ينزل بها من الضعف السياسي ، وتحلل السلطة المركزية ، وتدهور الأمن واضطراب النظام ، فيكون شيوع الفساد وانتشار الجريمة مع القحط والجوع ، شرا مستطيرا ، وشقاء متصلا ، يحل بالناس فيترك في نفوسهم وعقولهم أثرا لا يمحي أو لا يكاد يمحي (٢). ويقدم لنا التاريخ أمثلة كثيرة لانخفاض النيل في مصر قبل وبعد عصر يوسف الصديق عليهالسلام ، وما ينتج عن ذلك من كوارث اقتصادية ، ومن أشهر الأمثلة ما حدث على أيام الثورة الاجتماعية الأولى (الأسرات ٧ ـ ١٠) يقول «نفرتي» : لقد جف نيل مصر حتى ليخوضه الناس بالقدم ، وسوف يبحث الناس عن الماء لتجري عليه السفن فيجدوا أن الطريق قد صار شاطئا ، وأن الشاطئ قد صار ماء (٣)» ، ومن ثم فقد رأينا من نفس الفترة شريفا من الصعيد هو «عنخ تفي» حاكم «نخن» (البصيلية ـ مركز أدفو بمحافظة أسوان) يتحدث عن سني المجاعة فيقول إنه أمد خلالها مدنا أخرى ، إلى جانب مدينته ، بالهبات والقمح ، وقد امتدت دائرة نشاطه حتى دندرة ، في مقابل قنا عبر النهر ، وبذا أنقذ الصعيد الجنوبي الذي كاد يموت جوعا ، وكاد كل رجل فيه أن يغتال أطفاله (٤)».
على أن المصريين قد اكتسبوا من ذلك حكمة التجربة وحسن التدبير ،
__________________
(١) جمال حمدان : شخصية مصر ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ٢٤١ ـ ٢٤٥.
(٢) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٥٦.
(٣) A.Erman ,LAE , ١١٣.p ، ١٩٢٧.
(٤) A.Gardiner ,Egypt of the Pharaohs , ١١١.p ، ١٩٦١.