إذ كانوا يدخرون غلة الأرض من أيام الري لأيام الجفاف ، ومن يسرهم لعسرهم ، ومن رخائهم لشدتهم ، وكانت حكمة الملوك والأمراء وحكام الأقاليم وحسن تدبيرهم خليقا أن يخفف عن الرعية بما كانوا يصنعون (١) ، ومن ثم فقد رأينا «خيتي» أمير أسيوط على أيام الإهناسيين يتحدث عن جهوده في القضاء على الأزمة الاقتصادية ، بأن يقدم هدية لمدينته بأن حفر ترعة ليروي الفلاحون منها أرضهم ويسقوا زرعهم ، ثم يقول : إنني غني بقمح الشمال حيث كانت الأرض في جفاف ، وعند ما شحت أقوات البلاد أمددت المدينة بالحبوب والخبز ، وسمحت لكل مواطن بأن يأخذ نصيبه ونصيب زوجته ، وقد أعطيت الأرملة وولدها ، وتجاوزت عن الضرائب التي فرضها أبي ، وملأت المراعي بالمواشي (٢)» ، وفي مدينة الكاب ، مقابل البصيلية عبر النهر ، نرى أميرها «ببي» من الأسرة الثالثة عشرة ، التي سبقت قليلا جدا عصر الصديق ، وربما عاصرت أوائله من أيام الهكسوس ، يقول : «لقد كنت أكدس القمح الجيد المطلوب ، وكنت يقظا في فصل البذر ، فلما وقعت المجاعة على مدى الكثير من السنين أعطيت مدينتي القمح في كل مجاعة (٣)».
على أن العلماء على كثرة ما قرءوا من أخبار المجاعات في مصر القديمة (٤) ، إنما يقفون خاصة موقف الفاحص من مجاعة تفشت أخبارها
__________________
(١) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٥٧ ـ ٥٨.
(٢) محمد بيومي مهران : الثورة الاجتماعية الأولى ـ الإسكندرية ١٩٦٦ ص ١٢٨ ـ ١٢٩. وكذا
J. Vandier, La Famine dans l\'Egypte Ancienne, Le caire, F
١٠١.p ، ١٩٣٦ وكذاJ.H.Breasted ,ARE ,I , ١٨١.p ، ١٩٠٦.
(٣) T.Vandier op ,cit ,P ١١٤
(٤) تعرضت مصر لكثير من المجاعات في العصور الوسطى بسبب انخفاض النيل ، كالتي حدثت على أيام الأمويين في عام ٨٧ م ، وعلى أيام الإخشيديين في أعوام ٣٢٩ م ، ٣٣٨ م ، ٣٤١ م ، ٣٤٣ م ، ٣٥١ م ، ولعل أشهر وأبشع المجاعات ما سجل البغدادي أثناء الشدة المستنصرية ـ